رجا الشيخ المغامسي الله.. أن يُنشئ على يديه مذهبًا إسلاميًا فقهيًا جديدًا يتلاشى قدر الإمكان ما قد فات.
كما نادى بضرورة مراجعة ما قد سلف سواءً ذلك من قبل ثُلة أو من شخصٍ واحد.
بدايةً.. ما هو المذهب الفقهي؟
(المذهب الفقهي هو طريقة معينة لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية).
1️⃣- ونتيجة اختلاف طرق الاستنباط في مجال العبادات والمعاملات؛ تتكون المذاهب الفقهية.
2️⃣- ونتيجة اختلاف طرق الاستنباط في مجال الاعتقادات اختلافًا غير مخرجٍ من المِلَّة؛ تتكون الفِرَق الدينية.
3️⃣- ونتيجة اختلاف طرق الاستنباط في مجال الاعتقادات اختلافًا مُخرجًا من الملّة؛ تتكون الأديان(1).
إذًا.. المذاهب الفقهية هي مجموعة طرق علمية لفهم الدين لا لحصر الدين في آحادها، وتتضمن تلك الطرق (ترجيحات العلماء للأدلة واستنباطاتهم للأحكام منها)، وربما مع الزمن تتغيّر هذه الترجيحات والاستنباطات مثل: الفقه القديم والجديد لمذهب الإمام الشافعي -رحمه الله-.
كما أن الروايات المتعددة داخل كل مذهب قد تنطوي على تطورٍ زمني لاختيار الأدلة، ومن ثم اﻻستباط المذهبي.
إذًا.. لا يمكن أن ينشأ مذهب فقهي بين عشية وضحاها، وإنما يتنامى وينتشر عبر الزمن مع انتشار أتباعه، وربما انقرض مذهب فقهي بانقراض أتباعه؛ كما ذكر سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله- بأن هناك مذاهب فقهية انقرضت غير المذاهب الخمسة القائمة الآن -المذهب الظاهري ذكره الشيخ خامسًا- وذكر أمثلة لتلك المذاهب التي انقرضت وهي: (مذهب الجريرية أتباع ابن جرير، ومذهب الليثية أتباع الليث بن سعد، ومذهب الثورية أتباع سفيان الثوري، ومذهب الراهوية أتباع إسحاق بن راهويه)(2).
وفي معرضٍ جوابٍ آخر ذكر سماحته أنه ليس العلم مقصورًا في المذاهب الأربعة، بل هناك مذاهب أخرى مثل: التابعين وأتباعهم وأئمة معروفين كالأوزاعي والثوري وإسحاق بن راهويه وأئمة كبار نقل العلماء لهم علمًا … … … أما الاقتصار على المذاهب الأربعة وتقليدها والتعصب لها ليس من شأن أهل العلم(3).
قراءة الردود على دعوة إنشاء مذهب فقهي إسلامي جديد:
سنبدأ بالردود العامة التي جاءت ما بين مؤيدة أو منددة، وأكثرها باتجاهيها لم يتسم بالموضوعية ألبتة، فـ(أكثر) الردود المؤيدة لم تظهر قوةً أو عُمقًا علميًا في فكرة ومطلب الشيخ المغامسي!! وإنما كانت تجنيًا على جهود سابقة للسلف أو تشفيًا من علماء معاصرين وحسب.
في حين توجهت أكثر الردود المنددة بعيدًا عن مناقشة أي ضعفٍ أو قصورٍ علمي في فكرة وموضوع الدعوة!! فتوجهت إلى شخص الشيخ المغامسي؛ إما بوصمه بانتماءات طائفية أو عقدية.. أو بعدم كفاءته العلمية أو تخصصه العلمي.. أو أنه صاحب آراء سابقة خالفت من هو أعلم منه.
فيتضح من تفاصيل داخل جُملة الردود أن معظم الناس فهموا المذهب الفقهي أنه حصرٌ للدين!! والحقيقة أنه المذهب الفقهي هو طريقة علمية من طرق فهم الدين.
قراءة بيان الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء:
تمحور البيان على مرتكزين رئيسين هما: الموضوعية والواقعية، وتعقيب بالاجتهاد الجماعي.. حيث نص البيان على: أن الدعوة إلى إنشاء مذهب فقهي إسلامي جديد، تفتقد الموضوعية والواقعية.
فافتقاد الدعوة للموضوعية يُفهم على أن الشيخ المغامسي أو غيره لن يسعه إيجاد أدلة جديدة لم تتطرق لها ترجيحات العلماء السابقين، ولا يسعه استنباطات جديدة من الأدلة القائمة لم يستنبطها العلماء السابقون داخل المذاهب المعتبرة الباقية والمنقرضة.
وبالتالي كل محاولة موضوعية لإنشاء مذهب جديد لا يسعها إلا التقليد أو الاختيار مما هو قائم أصلًا من ترجيحات الأدلة واﻻستنباطات وحسب، فلا يمكن أن يكون التقليد تجديدًا كحالة موضوعية.
أما افتقاد الدعوة للواقعية يُفهم على أنه حتى وإن سنحت الفرصة لترجيحات واختيارات مما استفاض من أدلة واستنباطات سابقة بصيغة لم تجتمع عند أحدٍ ممن سبق؛ فالواقع ﻻيدعم ارتقاء هذه الفرصة -إن تيسرت- إلى درجة مذهب جديد؛ لصعوبة استقطاب أتباع المذاهب القائمة من أعماق قناعاتهم المذهبية.. فيصبح حجم الأتباع الجدد غير ما كن من التأثير في الواقع..
كما لا يمكن لأحدٍ أو جهةٍ إلزام الناس بهذه الترجيحات الجديدة واقعيًا، خاصة وأن أصحاب المذاهب أنفسهم لم يُلزموا أتباعهم بترجيحات أدلتهم واستنباطاتهم.
تساؤلات تطرح نفسها:
1- هل الاختيار من الأدلة والاستنباطات الشرعية أُشبعت من السلف، ولم يتبقَ للخلف أي فرصة لاستنباط جديد؟ ربما جزء من الإجابة تضمنه تعقيب البيان بالاجتهاد الجماعي للهيئات العلمية القائمة.
2- هل يمكن (اعتبار) اختيار أرجح الأدلة والاستنباطات من كل المذاهب مذهبًا فقهيًا جديدًا؟ كما هو معمول به -في النزر القليل- لدى معظم علماء العصر والمتأخرين باتباعهم للدليل وليس المستدل.
3- هل يمكن استحداث أدوات علمية جديدة لقبول وترجيحات الأدلة تؤدي إلى استنباطات جديدة تدعم نشوء مذهبٍ جديد؟ وهو ما صرح به الشيخ المغامسي في مسألة اعتبار السند مقابل المتن.
الخلاصة مما سبق:
إن الدعوة لإنشاء مذهب إسلامي فقهي جديد تفتقد للموضوعية والواقعية ما لم تتم إجابة التساؤلات السابقة على نحو يدعم قيام ذلك موضوعيًا وواقعيًا، وبالتالي التفكير في ذلك كأمر مشروع لأهل الاختصاص، وليس ممنوعًا كما تصوره السواد الأعظم.
————
(1)- معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعجي.
(2)- جواب الشيخ ابن باز https://bit.ly/406Q1Lc
(3)- جواب الشيخ ابن باز https://bit.ly/3UA3lHa