منذ تأسيس المملكة العربية السعودية، انشغل المغفور له -بإذن الله تعالى- المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بنشر الأمن والأمان لضيوف الرحمن من حجاج البيت الحرام القادمين من كافة أرجاء العالم كأولوية قصوى، وتبع ذلك انشغاله – طيب الله ثراه- بتوسعة المسجد الحرام؛ ليستوعب الأعداد المتزايدة للحجيج كل عام.
ومن هنا ظهر لأول مرة مفهوم “الرواق السعودي” تاريخيًا إبان عهد الملك المؤسس – رحمه الله- الذي أمر بتوسعة المطاف بالمسجد الحرام خلف “الرواق العباسي”؛ حيث تم الشروع فيه في عهد الملك سعود بن عبد العزيز عام 1375هـ/1955م.
واستمر بناء “الرواق السعودي” بعد الملك سعود في عهد الملك فيصل، والملك خالد، ليستكمل تطويره في عهد الملك فهد والملك عبدالله، وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله-، حيث أعلن مؤخرًا الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس عن صدور الموافقة بإطلاق تسمية “الرواق السعودي” على مبنى مشروع توسعة المطاف بالمسجد الحرام.
زيادة الطاقة الاستيعابية
ويُمثل “الرواق السعودي” درة تطور الأروقة بالمسجد الحرام عبر التاريخ، وهو يحيط بالرواق العباسي – كما سبق القول- ليكون مكملًا له، مع تميزه بمساحة أوسع لم يشهدها المسجد الحرام من قبل، حيث تبلغ مساحته حاليًا (210) آلاف متر مربع، وهو يتكوَّن من (٤) أدوار وهي: الدور الأرضي، والدور الأول والدور الثاني “الميزانين”، والسطح، علمًا بأن الطاقة الاستيعابية لـ”الرواق السعودي” أصبحت تتسع لـ(٢٨٧.٠٠٠) مصلٍ ، و(١٠٧.٠٠٠) طائف في الساعة بالرواق وصحن المطاف.
كما يوفر “الرواق السعودي” مساحات أوسع للطائفين والمصلين، وفق معايير هندسية عالية الجودة والدقة، كما يمتاز بتوافر جميع الخدمات التقنية والخدمية وأنظمة الصوت والإنارة، التي تسهم في تهيئة البيئة الإيمانية الخاشعة لضيوف الرحمن.
ويمتد “الرواق السعودي” من الناحية الغربية للمسجد الحرام حينما أمر الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- بإضافة جديدة للرواق، وبلغ عدد الأعمدة في هذه التوسعة نحو (1500) عمود مكسو بالرخام الأبيض، إضافة إلى عدد من القباب على سطح الأروقة.
وفي عهد الملك فهد، أصبحت مساحة الحرم نحو (365) ألف متر مربع والطاقة الاستيعابية حوالي مليون مصلٍّ، وتضمن “الرواق السعودي” بعد هذا الامتداد بابًا جديدًا وهو “باب الملك فهد”.
وقد امتدت مساحة “الرواق السعودي” من الجهة الشمالية بإضافة جديدة بدأت في عهد الملك عبدالله بن عبد العزيز -رحمه الله- واكتملت في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله-، حيث أصبحت مساحة المسجد الحرام نحو مليون متر مربع، بطاقة استيعابية نحو مليوني مصل، وتضمن عددًا كبيرًا من الأعمدة وبابًا يحمل اسم “باب الملك عبدالله بن عبد العزيز”.
تاريخ أروقة المسجد الحرام
“الرواق” لغويًا هو مقدمة البيت، وهو يطلق كذلك على البناء الذي يشبه الخيمة ويُحمل على عمود طويل؛ ولكن هذا الاسم تم استخدامه في المسجد الحرام؛ ليُطلق على البناء الذي يحيط بصحن الطواف.
ويحدثنا التاريخ أن “الرواق” بالمسجد الحرام قد بدأ منذ منذ عصر الخلفاء الراشدين، وتحديدًا في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان – رضي الله عنه- حيث ارتبط بتوسعة الحرم، والتي بدأت أولًا في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه-، ثم عثمان بن عفان مع “الرواق” كما أسلفنا.
ثم كانت التوسعة الثالثة بواسطة عبدالله بن الزبير -رضي الله عنه- في فترة خروجه على الدولة الأموية، والتي شملت زيادة في الحرم من الجانب الشرقي والشامي واليماني.
أما الخليفة الأموي الخامس عبدالملك بن مروان فقد أمر بتجديد الحرم المكي، ورفع جداره وتسقيف الرواق بالساج (أفخر أنواع الخشب) ورفعت بواسطة أسطوانات (عواميد)، وجعل لها تيجان محلاة بالذهب وفي كل أسطوانة مثقال من الذهب.
واستمرت التوسعة في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك حين نقض بناء والده (عبد الملك بن مروان) وصاغه بشكل محكم، أزال الأروقة المحيطة بصحن المطاف وشيدها من جديد، وأقام رواقًا واحدًا مكونًا من أعمدة مصنوعة من الرخام سُقفت بالساج المزخرف.
أما “الرواق العباسي” الشهير بالمسجد الحرام والموجود حاليًا، فقد بُني في عهد الخليفة العباسي الثالث المهدي (أبو عبد الله المهدي بن أبي جعفر المنصور)؛ حيث تم توسعة الحرم بعد أدائه فريضة الحج عام 160هـ (776م)؛ حيث أمر بجلب أعمدة الرخام من مصر والشام، ومعظمها جاءت من مدينة ” أخميم” بصعيد مصر عبر البحر الأحمر.
وجعل المهدى للرواق سقفين أحدهما أعلى من الآخر، وبلغ عدد أعمدة الرواق بعد استكمال بنائه 484 عمودًا: من الجهة الجنوبية 141 عمودًا، ومن الجهة الشمالية 135 عمودًا، ومن الجهة الشرقية 103 أعمدة، ومن الجهة الغربية 105 أعمدة.
وأخيرًا.. يعد “الرواق السعودي” بلا أدنى مبالغة من مفاخر المملكة، ومن مآثر العمارة السعودية للمسجد الحرام، حيث أصبح يُمثل هوية خاصة بالمسجد لا تزال باقية حتى اليوم، لترسخ اهتمام قادة المملكة عبر التاريخ بعمارة الحرمين الشريفين، لا سيما عهد الملك سلمان بن عبد العزيز الزاهر وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله-.