المقالات

بين جودة التعليم وجودة الحياة والفصول الأربعة

عندما هاتفتني إحدى زميلاتي تسألني عن صحة قرارها بعد أن أوقفت ذهاب ابنتها إلى الروضة هذه الأيام، والحقيقة أن نبرة صوتها الغاضبة والحزينة والمتألمة في ذات الوقت حملت لي معاناة قرأت عنها وسمعتها وعشت بعض فصولها، كنت أتجاوز تجربتي الشخصية كحالة فردية. لكن بعد أن حاصرني هذا الضجيج، وأنا أحاول استيعاب كلمات من تحادثني وهي تضيف:
– ملت ابنتي وأصبحت عصبية المزاج، كثرت الخصومات بينها وبين أقرانها، حتى إنها فقدت شغفها بالروضة، وكذلك شهيتها. هل تصدقين أنها تعود للمنزل دون أن تتناولها؟ آه لو ترين شحوب وجهها وتيبس شفتيها عند عودتها، أنت تعرفين أنني لا أحب الغياب، ولكنني أوقفتها حتى ترتاح لتستعد للعام الدراسي القادم، خاصة وهي على أعتاب الصف الأول الابتدائي.
هذه صرخة احتجاج من أم تدعمها أصوات أخرى من طول العام الدراسي، والمجاهدة النفسية التي تدور رحاها بين الأبناء وآبائهم خلف جدران المنازل، وبين الطلاب ومعلميهم داخل الفصول، وانتهاء المناهج والبدائل الهزيلة لإشغال الطالب وتحفيزه للمزيد من التعلم. بالإضافة إلى روتينية اليوم الدراسي ورتابته وعوامل أخرى يطول ذكرها – وأهل مكة أدرى بشعابها – ناهيك عن الضغوط المادية على الأسرة وكثرة المصاريف، مما يفقد الفرد التمتع بجودة الحياة.
قفز إلى ذهني هذا العنوان للمقال مباشرة بعد أن أنهت زميلتي مكالمتها، ومن واقع خبرتي التربوية قررت أن أتعمَّق في قراءة قرار- نظام الفصول الدراسية الثلاثة- وتحليله والذي هو في نهاية عامه التطبيقي الثاني، وقد اتضحت معالمه.
تم تطبيق نظام الفصول الثلاثة للعام الدراسي الماضي، بعد الخروج من أزمة كورونا والتخفف من آثارها، وكأي قرار تعالت أصوات الممانعة وأخرى ضدها، وأخذت تلك الأصوات اتجاهات مختلفة وتأويلات عن سبب تطبيقه.
التطلع نحو الأفضل وما يحقق متطلبات المستقبل خاصة في مجال التعليم مطلب، وعندما أعلنت وزارة التعليم في مايو 2021 الخطة المطورة للتعليم، والتي تضمنت تقسيم العام الدراسي إلى ثلاثة فصول كل فصل يحمل في ثناياه 13 أسبوعًا تتخللها 12 إجازة أثناء العام الدراسي ما بين رسمية ومطولة كما سميت بواقع 69 يومًا غير إجازة نهاية العام الدراسي.
هذا “القرار” الذي قصد به حسب رؤية من – قاموا عليه – تحقيق التوازن وسد الفجوة بين النظام التعليمي في المملكة والدول المتقدمة، ومعالجة الفاقد التعليمي، ولكن! ونحن في نهاية العام الدراسي الثاني من تطبيق هذا النظام، هل تمت دراسة النتائج على أرض الواقع، في مجتمع تعليمي يشمل كافة أنحاء الوطن بمختلف ظروفه المكانية وبيئاته المدرسية والتحديات والصعوبات التي تواجه الهيئة التعليمية والإدارية وأولياء الأمور، وتأثير هذه العوامل على المستهدف الرئيسي في التعليم – التلميذ- بكافة مستوياته.
وبنظرة موضوعية في الإجازات المطولة التي تأتي في بداية أو نهاية الأسبوع لتحدث خللًا في تماسك استمرارية التعليم وثغرات كبيرة أدت إلى ترهل العام الدراسي، وذوبان العملية التعليمية وعدم جديتها نظرًا للثقافة المجتمعية “يومًا قبله ويومًا بعده” مما أسهم في عدم انضباط الطالب، وعززت فرص الاتجاه نحو فاقد تعليمي أكبر.
وهنا دعوة لمن اتخذوا هذا القرار، لإعادة النظر والتواصل مع منهم في الميدان التعليمي، وإشراك مجتمعه في مثل هذه القرارات، وأن لا تصدر من واقع نظريات ودراسات طبقت في بيئات تحققت فيها عوامل كثيرة وهيأت لنجاحها، فالتنظير لا يمس الواقع أو يتماهى معه.
تطبيق النماذج والقوالب الجاهزة من الأنظمة الأخرى (ربما نجحت أو لا) في بيئة تعليمية التي لم يتم تكييفها وفق احتياجات المجتمع المدرسي وظروف التعلم فيها، لا شك أنها لن تحقق الهدف.
فعندما ننظر للتجربة الفنلندية، والتي أصبحت حاليًا من الدول المتقدمة على المستوى التعليمي، وكيف نهضت بالعملية التعليمية من الصفر حتى أصبحت في المقدمة الآن على مستوى العالم، وظروفها مشابهة لظروفنا من حيث عدد المدارس والطلاب وتكدس الفصول وغيرها مما لا يتسع المجال هنا لذكرها- يجب الاطلاع على التجربة كاملة- من احترام خصوصية الطالب وتوفير كافة المتطلبات التي تهتم بالراحة النفسية والذهنية والصحية له، وكذلك الاهتمام بالمعلم وتوفير كل احتياجاته.
إذا أردنا فعلًا أن يكون لدينا طالب يتعلَّم بلا تلقين، ومعلم باحث وليس مؤديًا، لا بد من قراءة المشهد بوضوح، وعدم الهرولة خلف أحلام وردية لا تتصل بالواقع حتى لا نُصاب بصدمة الحقيقة، وأن لا مكاسب ولا ناتج تعليمي حسب المأمول.
نتطلع للأفضل دائمًا، ولدينا طموح يُعانق السحاب، إلا أن النظرة الموضوعية مطلوبة لوزن المعادلة، وحتى لا تمر علينا الفصول الأربعة في عام دراسي واحد يبدأ بالصيف وينتهي به وحراته اللاهبة التي تقصي التركيز والحضور الذهني، وتحرق الأعصاب والجيوب.

– كاتبة وتربوية

‫6 تعليقات

  1. كلام سليم ومنطقي الفصل الدراسي الثالث خطة غير فعاله ولها سلبيات اكثر من ايجابياتها يكفي ان الغياب في مدرستنا صار بزيادةً

  2. انا لا اعلم لماذا هذا الجهاد المستميت ضد الفصول الثلاثة من قبل اناس يريدون جيل فاشل كسول يقضي معظم السنة في النوم والتسكع في الشوارع علما بانه نظام قائم في عدة دول ولم يشتكي منه احد واستفاد منه الطلاب والاباء والدوله نفسها بمخرجات اكثر من رائعة. عودو ابنائكم على حب التعلم والالتزام والعمل من الصغر عشان اذا توظف لا يشكو من الوظيفة ويبحث عن الاجازات الطويلة وعدم العطاء

  3. انا لا اعلم لماذا هذا الجهاد المستميت ضد الفصول الثلاثة من قبل اناس يريدون جيل فاشل كسول يقضي معظم السنة في النوم والتسكع في الشوارع علما بانه نظام قائم في عدة دول ولم يشتكي منه احد واستفاد منه الطلاب والاباء والدوله نفسها بمخرجات اكثر من رائعة. عودو ابنائكم على حب التعلم والالتزام والعمل من الصغر عشان اذا توظف لا يشكو من الوظيفة ويبحث عن الاجازات الطويلة وعدم العطاء

  4. انا لا اعلم لماذا هذا الجهاد المستميت ضد الفصول الثلاثة من قبل اناس يريدون جيل فاشل كسول يقضي معظم السنة في النوم والتسكع في الشوارع علما بانه نظام قائم في عدة دول ولم يشتكي منه احد واستفاد منه الطلاب والاباء والدوله نفسها بمخرجات اكثر من رائعة. عودو ابنائكم على حب التعلم والالتزام والعمل من الصغر عشان اذا توظف لا يشكو من الوظيفة ويبحث عن الاجازات الطويلة وعدم العطاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى