منذ أن سكنتُ بأحد أحياء شرق مدينة مكة المكرمة الموازية لطريق السيل الرابط بين العاصمة المقدسة ومحافظة الطائف، والذي مضى على إنشائه ما يزيد على خمسة عقود من الزمان، ومعظم رحلاتي البرية لمنطقة الباحة كانت عبر هذا الطريق المحوري الذي يخدم قاصدي المنطقة الغربية ذهابًا وإيابًا من كافة مناطق المملكة ودول الخليج العربي، ومن خلال تلك الرحلات فقد لاحظت أن هذا الطريق يشهد كثافة سير عالية بشكل مستمر لمروره بميقات قرن المنازل الذي يقصده الحجاج والمعتمرون، بإلإضافة إلا أن هذا الطريق يُعد المسار البديل للحركة المرورية عند إغلاق عقبة الهدا بسبب تساقط الصخور وقت نزول الأمطار عليها، وكذلك في ظل لجوء سائقي الشاحنات الضخمة لعبورهم الإجباري من خلاله مما يزيد من خطورته على مدى الأيام والشهور.
وعلى الرغم من عناية الدولة -أيدها الله بالعز والتمكين – بالطرق البرية التي تربط أرجاء المملكة ببعضها البعض، والتي باتت رائدة وملموسة في كافة مدنها ومحافظاتها؛ حيث تفوق في جملتها على ما سواها من الطرق في العالم؛ وذلك بفضل من الله -عز وجل- ثم بالمتابعة الدائمة من حكام هذه البلاد -رعاهم الله- فكانت هذه الطرق نعمة من النعم التي أنعم الله بها على بلادنا الغالية؛ لتسهل تنقلات أبنائها والمقيمين فيها عرض البلاد وطولها بكل يسر وسهولة. إلا أن طريق السيل الذي بات شبحًا مخيفًا لسالكيه ما زال على حاله خصوصًا من إشارة الحوية، ومرورًا بالسيل الصغير، ونهاية بالسيل الكبير عند الميقات؛ فهذا الجزء من الطريق بات يُعاني من الظلام المخيف، وتآكل طبقة الأسفلت التي قد تؤدي إلى انحراف المركبات فضلًا عن ضيق الطريق الذي تعبره مئات السيارات والناقلات العملاقة.
وإذا ما نظرنا إلى المدة الزمنية الطويلة التي مرت على آخر توسعة لهذا الطريق؛ فإننا سندرك أن الوعود المتكررة التي تطلقها من حين إلى آخر عدد من الجهات ذات الاختصاص بعد كل نائحة تقع عليه، إنما باتت كإبر التخدير التي ما أن ينتهي مفعولها حتى يبدأ الإحساس بالألم من جديد، فمعاناة سالكي طريق الطائف – السيل ما زالت مستمرة منذ سنوات طويلة دون أن تجد من يبحث لها عن حلول جذرية تنهي هذه المعاناة وتنهي حالة الخطر الدائمة التي تصاحب كل من يعبر هذا الطريق والمتمثلة في الحوادث المؤسفة والأرواح البريئة التي تزهق على جنباته؛ نتيجة للازدحام الكبير الذي يشهده هذا الطريق بسبب كثافة حركة المرور عليه لا سيما في ظل وجود الشاحنات وحافلات نقل الركاب التي باتت تُشكل خطرًا كبيرًا لسالكيه؛ نظرًا لما تسببه من إرباك لحركة السير خاصة في موسمي الحج والعمرة.
وفي المنعطف الأخير؛ فإنه يستوجب على الجهات ذات العلاقة إعادة النظر في هذا الغول الموحش إما بتوسعته إلى أربعة مسارات في أقل تقدير، ودعمه بأعمدة الإنارة للقضاء على مسلسل الحوادث التي تقع به ليلًا بسبب الظلام. الدامس الذي معه يضطر السائقون إلى استخدام الأنوار العالية، وكذاك استقطاب المستثمرين لدعم هذا الطريق بالخدمات الاقتصادية مثل محطات الوقود وأماكن التسوق والترفيه، وزيادة اللوحات الدعائية على جانبي الطريق للقضاء على وحشته الليلية، أو باختصاره عبر أنفاق وكباري مع زيادة مساراته للقضاء على بعض المنعطفات الخطيرة، أو إيجاد لطريق جديد بأحدث المواصفات الهندسية، بحيث يكون رافدًا ومساندًا لهذا الطريق، ويكون فقط لمرور سيارات النقل الصغيرة، ويبقى الطريق الحالي لعبور الشاحنات بمختلف أحجامها وأنواعها مما سيسهم في دعم سلاسة الحركة المرورية، وكذلك تسهيل تدفق المركبات إلى العاصمة المقدسة، مع اختصار مسافة كبيرة من الطريق الحالي.
وخزة قلم:
بقاء الطريق على وضعه الحالي يستنزف الأرواح، ويزيد مصروفات وزارة النقل من خلال أعمال الصيانة والكشط المستمرة؛ نتيجة للضغط الهائل عليه.