المقالات

طموحات فضائية .. بوصلة العلم، تحفيز الشباب وتمكين المرأة

تأمّلت رد ريانة برناوي على سؤال في مؤتمر صحفي عمّا ستحمله معها في رحلتها إلى محطة محطة الفضاء الدولية، عندما قالت: هدية جدتي، قرطان عمرهما ٦٠ عامًا. وفهمت من ذلك مقدار فخر الجدة بحفيدتها وتجملها بالصبر منذ وافقت على رحلتها، وشعرت بتماوج وتمازج مشاعر الأم والجدة، الأب والأخوة، وهم يتابعون مستجدات الرحلة منذ انطلاقها، وحتى وصولها، وإلى يوم عودتها بحفظ الله إلى الأرض، والبيت، والأحضان.

كم من الوعي والثقافة، الإيمان والوطنية، القوة والجلد، تحتاج لتوافق، وتدعم؟ لتودع وتستودع الله فلذة كبدك؟ لتتابع على التلفاز أغلى الناس وهم في صاروخ مهيب، يخرج من قلب نار عظيمة، لينطلق إلى فضاء مجهول، في رحلة تطول، بين ظلمات الفضاء وكواكب السماء؟

الأبحاث البشرية
هذه الجدة العظيمة أدركت أن حفيدتها تقوم بعمل مقدس، لخدمة الوطن والإنسانية. أربعة عشر تجربة بحثية، منها ١١ تجربة في بيئة الجاذبية الصغرى؛ إضافة إلى ثلاث تفاعلية تعليمية مع طلاب وطالبات المدارس في السعودية، وأن ريانة التي تخرجت من أفضل الجامعات بأعلى الشهادات العلمية، تعتزم القيام بالأبحاث البشرية وعلوم الخلايا، وتجارب الاستمطار الصناعي.

وهي تدرك إشراف مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، وفريق العلماء التابع له، برئاسة الدكتور خالد أبو خبر، وبمشاركة الدكتورة وجدان الأحمدي، والدكتور إدوارد حتي. وبالتعاون مع الهيئة السعودية للفضاء، على تجربة علوم الخلايا؛ بهدف فهم كيفية تغير الاستجابة الالتهابية في الفضاء، وخاصة التغييرات الحاصلة على عمر الحمض النووي البيونووي المراسل، الذي يعد جزءًا أساسيًا لإنتاج البروتينات المؤدية للالتهاب. كما سيتم استخدام نموذج خلايا مناعية لمحاكاة استجابة الالتهاب للعلاج الدوائي أثناء الجاذبية الصغرى.

الاستمطار الصناعي
وتعلم أن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، برئاسة الدكتور أشرف فرحا، وبالتعاون مع هيئة الفضاء، ستشرف على تجربة تهدف إلى محاكاة عملية البذر السحابي المستخدمة في المملكة والعديد من الدول لزيادة معدلات هطول الأمطار، ومساعدة العلماء والباحثين على ابتكار طرق جديدة لتوفير الظروف الملائمة للبشر، ومنها عمل الأمطار الصناعية، للعيش في مستعمرات فضائية على سطح القمر والمريخ، وإسهام التجربة في تحسين فهم الباحثين لتقنية الاستمطار لزيادة معدلات المطر في العديد من بلدان العالم الأكثر جفافًا واحتياجًا لمادة الحياة، الماء.

التجارب الطبية
ولعل حفيدتها التي عملت، بمستشفى الملك فيصل التخصصى ومركز الأبحاث، أخصائية في الأبحاث المخبرية وفي الخلايا الجذعية السرطانية. شرحت لها أن شركة سديم للبحث والتطوير بقيادة الدكتور بدر شيرة، بالتعاون مع هيئة الفضاء، ستقود ست تجارب في مجال الأبحاث البشرية لمعرفة التكيف البشري في رحلات الفضاء ومدى أمانها على الدماغ، وفهم التأثيرات التي تطرأ على صحة الأسنان أثناء التواجد في الفضاء.

وسيتم خلال تلك التجارب اختبار وظائف الأعضاء والأجهزة الحيوية للبشر في الجاذبية الصغرى، مثل قياس تدفق الدم إلى الدماغ، وتقييم الضغط داخل الجمجمة، والنشاط الكهربائي للدماغ، ومراقبة التغيرات في العصب البصري. مما يساعد في رفع مستوى الأمان لرواد الرحلات الفضائية القادمة.

معارض الفضاء
وكيف أن التجارب التي تقوم بها خريجة جامعة أوتاجو النيوزلندية في علم الهندسة الوراثية وتطوير الأنسجة، وحاملة الماجستير في العلوم الطبية الحيوية من جامعة الملك فيصل. ستشمل أخذ عينات الدم والعينات البيولوجية لفحص المؤشرات الحيوية المرتبطة برحلات الفضاء، ورسم خريطة التغيرات في الطول والبنية والتخلق الوراثي للجينات.

ولعلها سعدت أن أبناء وبنات الوطن سيتابعون الرحلة من خلال معارض السعودية نحو الفضاء في الرياض وجدة والظهران، بنفس يوم الإطلاق، وسيتعرفون على مستقبل الفضاء وتاريخه، ويستمتعون بتجربة الطيران في مقصورة القيادة الافتراضية، ويجربون في “ركن النوم” كيف ينام رواد الفضاء.

رؤية وبوصلة وتمكين
أسرتا ريانة برناوي وزميلها علي القرني، ليسوا وحدهم. فمعهم تخفق قلوب خمسة وعشرين مليون سعودي وسعودية، وتدعو لهم وتفخر بهم، أولهم الأب سلمان بن عبد العزيز والأخ محمد بن سلمان، عراب الرؤية التي وجهت بوصلة الوطن باتجاه الفضاء، لتصبح الدول الخمسة عشرة الرائدة في مجال الفضاء، وتمكين المرأة لمقعدها في مقدمة الصفوف.

فعلي وريانة يمثلون كل ما قامت عليه هذه البلاد من قيم حضارية، وما تنشده من أحلام مستقبلية. وتنمية رأس المال البشري وجذب المواهب لإطلاقها في ساحة المنافسة في مجال الفضاء. والارتقاء بالتعليم والاهتمام بالخريجين في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، وتفعيل الابتكارات العلمية والأبحاث في علوم الفضاء.

كلنا اليوم علي وريانة، ومعنا كل العرب، يدعون لهم ويحتفلون بكل إنجاز ونجاح، كما فعلوا بعد فوزنا في كأس العالم على الأرجنتين. وسندعو جميعًا، كل يوم وليلة خلال الأيام القادمة، لممثلينا في محطة الفضاء بالحفظ والرعاية والتوفيق.

د. خالد محمد باطرفي

دكتوراه في الصحافة والعلوم السياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى