المقالات

أنواع العقول

من أعظمِ النعم التي منحها الله للإنسانِ نعمةُ العقل، فهي فرقٌ ما بينه وبين الحيوان، هي آلة الإدراك والتمييز عنده ، فالمجنون غير مكلف، بها عرف اللهَ وتبيّن الحقّ، وبها ميّز بين ما يضره وما ينفعه، وبها سخّر قوانين هذه الحياةِ لمصلحته، وبها استطاعَ أن يصنع هذه الحضارة الكبرى التي تعيشها البشرية اليوم.
وقد قال سبحانه وتعالى في بيان منزلة العقل: (إنّ شرّ الدوابّ عند الله الصمُّ البكم الذين لا يعقلون)، فالذين لا يعقلون ليسوا دوابًّا فحسب، بل هم شرُّ الدوابّ!
ومما يدل على منزلة العقل أنّ الله حثَّ على استخدامه بطرق مختلفةٍ، فتارةً يرغّبُ في ذلك: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بها)، وتارةً يذمُّ من عطل عقله واكتفى بالتقليد: (بَلْ قَالُوا إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ)، وتارة يبين أن أصحاب العقول هم المهتدون: (إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ).
وفوق ذلك فقد تكررت في القرآن عبارة (أفلا تعقلون) ثلاث عشرة مرة!
غير أنّ هذه النعمة التي مُنحها البشرُ لم يمنحوها على السواءِ، بل هم متفاوتون فيها تفاوتًا كبيرًا جدًا.

ما دعاني للكتابة محاضرة جميلة بعنوان: (إدارة التغيير)، ذكر فيها المحاضر أن العقول ثلاثة أنواع.
1-عقولٌ عظيمةٌ، وهي التي تناقشُ الأفكار.
2-عقولٌ متوسطةٌ، وهي التي تناقش الأحداث.
3-عقول صغيرةٌ، وهي التي تناقش الأشخاص.
لذلك على الإنسان أن يحرص أولًا على أن يسلك مسالك ذوي العقول العظيمةِ، وينأى بنفسه عن العقول الصغيرةِ.
وعليه كذلك أن يحترم أصحاب العقول العظيمة، فلا يضيق بنقدهم ونقاشهم، وفي المقابل عليه ألا يشغل نفسه بأصحاب العقول الصغيرةِ؛ لأنهم دائمًا يقتاتون على نجاح الآخرين.
وهذه الإشارات ثمينةٌ جدًا؛ لأنّ بعض الناس اليوم على طرفينِ كلاهما مخطئ:
فمنهم من لا يقبل نقدًا، ولا نقاشًا، ولا مراجعةً، ويعتبرُ كل شيء من هذا القبيل عدوانًا، ولو كان يأتيه من عقلٍ متوقدٍ مشغول بالأفكار والمبادئ والقِيَم.
ومنهم في المقابل من يشغل نفسه بكل نقد، ويهتمّ لكل كلمةٍ، ويشغل نفسه بكل صوتٍ، ولو كان من عقلٍ صغيرٍ؛ لا هم له سوى تتبعِ الأشخاص والتشغيب على أعمالهم وإنجازاتهم.
والصحيحُ أن يكون الإنسان صاحب عقلٍ عظيمٍ، ويحترم كذلك ما تقوله العقول العظيمة.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى