بقلم الناقد: محمد طاهر عشعش
مقدمة
رواية ” الخيط الفضي” قدمت الكاتبة أحداثها عبر أربعة فصول (وجوه) أو وجوه كما ذكرت، ولكل وجه عنوان رئيسي وأخر فرعى في مائتين وأربع وعشرين صفحة لكل فصل(وجه) بطل من شخوص الرواية يحرك أحداثها.
وكل عنوان رئيسي مفتتح بآية قرأنية ومبتدأها حرف العطف (الواو) وكأنها تمرر حرف العطف على الأحداث التي تسردها وتركت استكمال الآية ربما تكمن فيها الدلالة فيها كما يلى
ففي الوجه الأول نستكمل الآية ” فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا”، وبالفعل أحداث الفصل الأول هي حالة خاصة في أحداث الرواية كأنها كاميرا “فلاش باك” تستدعى الأبطال و أسلافهم و تقدم لنا نبذة عنهم، وما وصلوا إليه “فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر”
يصاحب العنوان الرئيسي كذلك عنوان فرعي دال من خلال السرد حيث قصة البدوية وعقد الزوجية الذى يبيض وجوه أهلها التي نجحت “مونا في البحث عنه و الوصول إليه وهى ورقة زواج “موهجة”.
أما في الوجه الثاني فقد اختارت الكاتبة “وروح منه، أجدني أستعيد الآية “إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ” حيث “أحلام” تستعيد الأجواء الروحانية في بيت أبيها و صور المولوية و ذاك الطفل الذى يردد أبيات الحلاج في مجالس الذكر.
يصاحب العنوان الرئيسي عنوان فرعى له دلالة للبطلة ” أحلام “و التي سوف تنطلق بدفع الأحداث ويتسق العنوان معها “أحلام وردية” وكذلك العنوان الرئيسي يرتبط بالعنوان الفرعي فالأحلام نراها بالروح لا بالجسد فثمة رابط بينهما.
وعنوان الوجه الثالث، نجد ” وما جعلناهم جسداً” ونستكمل معها الآية ” لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ “ فقد جعلناهم جسدا فيها أرواح يأكلون الطعام. حيث يظهر مراد بقوة ومعه ماديات وشهوات الجسد وتفكك لنا شفرات السرد السابق لنعرف المأساة التي يعيشها “مراد” ويصدرها للعالم المحيط به بسبب العوز الشديد الذى نشأ فيه مع انحرافات الأم.
يصاحب العنوان الرئيسي عنوان فرعى “حبة بركة وثعبان” حيث الحاج حسين رمز الخير في الشق الأول من العنوان وهو “حبة البركة ” وأخوه الحسيني رمز الشر ولذا يرتبط بالعنوان في شقه الثاني ” الثعبان”
وعنوان الوجه الرابع “وجوه ثلاث “فقد حضروا الشخوص الثلاثة الأساسيون بعنوان ” حتى يغيروا ما بأنفسهم ” ومعه تلقائيا أردد الآية الكريمة ” إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ”. كأنها تمهد ثمة تغير ما سيحدث ولعل العنوان الفرعي يشي بذلك.
يصاحب العنوان الرئيسي عنوان فرعى ” واحد صحيح ” ، وكأنها تمهد للتحول الذى سوف ينقل الحالة المتردية لهذه الأسرة المفككة ل ” واحد صحيح” ليس به علة.
تدخل الكاتبة الرواية بكلمة “ شعور ِ بالاغتراب لا أعرف ماهيته ………… ” ! فرواية ” الخيط الفضي ” صدرت المتعة لى أثناء قراءتها و هذا هدف ثمين يبحث عنه الكاتب فى روح المتلقى عبر الخطاب الروائى فهذا صك نجاح العمل العمل الأدبى الأهم، ناهيك عن اللغة المشهدية الناصعة التي تجعل المتلقى كأنه أمام حلقات تلفزيونية مكونة من مشاهد متعددة ما بين الأجواء الصوفيى للحارة المصرية ثم للبيت المصري و” التكنولوجيا ” ومدى تاثيرها في تحريك الأحداث فالهاتف الجوال و كذلك ” الفيس بوك ” ، هذه الرواية التي بصددها الآن تكلمت في عوالمها في فضاءات متعددة (متصوفة ، خيالية ، وواقعيى بحتة ) عبر فصولها الأربعة ،ستكون موضغ الرصد في تلك الدراسة. لكن هيا بنا نحلل هذه الرواية من الأتى حيث الغلاف ، فالعنوان ثم الإهداء
الغلاف
فالغلاف يحمل رمزية حيث الخيط الفضي الذى يكاد يقطع ثم تخرج منه فتاة وكأنها الروح التي تريد تحلق بعيد عن مادية الجسد وشهواته داخل قرص كالقمر كأنها تحلق في الفضاء ما بين لون وردى فاتح يوحى بانشطار الكون و زرقة السماء وهى محلقة بين الأفلاك و النجوم .
العنوان
العنوان الذي اختارته الكاتبة فنجده مكون من عنوان رئيسي ” أحلام موناليزا ” والذى يرمز إلى ثلاثة شخوص في العمل ” أحلام ” الأم و ابنتيها ” مونا ” و “ليزا” وهذا ذكاء من الكاتبة التي نجحت في الاختيار ناهيك عن لوحة الموناليزا و أسرارها و دلالاتها عمد المتلقي حيث الابتسامة الساخرة و التي تراها من طل تجاه أي كانت زاوية الرصد ولا تعلم أتبكى هي أم تضحك فهى غامضة مثل الأحداث الغامضة الت سوف نفكك شفراتها و نتبع خيوط السرد عبر المرويات دخل الرواية خاصة في الوجه الأول الذى يجعلك في حالة تصوف عالية من المشهدية في الوصف.
أما العنوان الفرعي فقد ظهر معنا أيضأ كعنوان فرعى في الوجه الأول له قصة خاصة به ألمحت إليه سابقاُ فالعنوان موفق و يطرح أسئلة و حالة في روح القارئ تمكنه من تصميم تأويلات متعددة طبقاً لانعكاس السرد وثقافته وخبرته الحياتية مع متن السرد في الرواية. ففي نهاية الأمر أقول نجحت الكاتبة في طرح عنوان يتميز بالذكاء، كما له بعد دلالي مرتبط بشكل وثيق مع أحداث الرواية و الشخوص بداخل العمل الروائي و هذا يحسب للكاتبة.
الإهداء
فالإهداء موح فهو يشي فقد نجحت الكاتبة فيه حيث صورت الغلاف بالجسد الذى يحبس الروح داخله وكأن السرد الذى ترويه الكاتبة بمثابة الروح التي سوف تتحرك به لرؤية العوالم الأخرى بكل تجلياتها: فهذا يحيلينا إلى أسئلة متعددة قبل قراءة الرواية هل سنجد ما يدلل على هلى هذه الرؤية داخل الرواية ؟
نظرة عامة على رواية ” الخيط الفضي (أحلام موناليزا) “
رواية “الخيط الفضي (أحلام موناليزا) “تجعلك تعيش أجواء متعددة الحالات فمن حالة صوفية مع “مونا” و “أحلام” و عائلتها و البيت القديم للجد “الشيخ يوسف” و التراث الذى سردته كل من منظوره، فقد كونت لدينا حالة تحليق و سمو عالية ساعد على تطورها أسئلة “مونا” و الزيارة التي قامت بها لبيت الجد ثم التفكر بل التأمل التي كانت تنادى به عبر المرويات ، وكذلك “أحلام ” و تقنية “الفلاش باك” التي استعانت بها الكاتبة كي تقدم لنا هذه الحالة بخفة و اعتدال. فكيف كان الأصل الطيب وقاية لها من أن “تقصر ” مع الست “دلال” حماتها رغم كل القسوة التي تعاملت بها معها حتى لاحظ بناتها هذا الأمر وكيف في عز محنتها لم تنساها ، أما “مونا” التي كانت بين الحياة و الموت ، فلم تمنع “أحلام ” من أن تهتم بها فقد كانت تسأل عليها و ترسل لها “ليزا” كي ترعاها كم أنت جميلة يا ” أحلام”.
فقد كانت “أحلام ” شخصية شبه مثالية رسمتها الكاتبة بعناية فائقة ، فقد كانت تفكر في الأسرة قبل نفسها ، رضيت بما لا ترضاه غيرها فعلى سبيل المثال زوج منفلت قاس و حماة متعنتة بل متربصة، فقد بدت لي وحيدة مهيضة الجناح لذا أستطيع أن أقول: لقد نجحت الكاتبة بامتياز في خلق تعاطف شديد معها في العديد من المشاهد التي كان القلم والسرد فيها “كاميرا” ترسم الحوار الداخلى و الحوارات مع (شخوص الرواية خاصة “أحلام”)، فلن أنس مشاهد ميلاد عطاء وجملة ” من أبلغهم أنى يتيمة” وهذا يحمد للكاتبة أن تخلق انحيازات في نفس القارىء و يتخذ موقف من العوالم التي ترسمها بفعل الدراما والأحداث بلغة جميلة رقراقة تفهم منها كيف تمكنت الكاتبة من أدواتها في عرض الأحداث و ترتيبها. إن الأدب الذى لا يخلق انحيازاً في وعقل القارىء هو أدب غير ناضج أو شبه أدب. فالأدب يساهم في تشكيل الوعي و اتخاذ موقف من الحياة.
مرتكزات الرواية ومحاورها الرئيسة
العمل الروائي أراه في بنيته السردية كأي بناء فلابد أن يكون رصين متكامل متجانس، وأي بناء أراه قائم على أعمدة أساسية ، فإن لم تكن قوية متينة فسينهار البناء، و الانهيار هنا يكون رفض المتلقي للأبداع الأدبي و شعوره بفجوة بين ما يسرده الكاتب وما ينبغي أن يسرد فداخل كل قارىء ناقد متخفى بداية من اختيار النص للقراءة حتى الانتهاء منه بالفرار منه أو يسبر أغوار العمل الأدبي ؛ لذا خلال قراءتي لرواية ” الخيط الفضي(أحلام موناليزا)” خيل لي أن مرتكزات الرواية و محاورها الرئيسة كانت كما يلى
البحث والطاقة الروحية(التأمل):
ففي هذا الجزء قدمت لنا الكاتبة أجواء صوفية و حالة روحانية يقودها التفكر و طرح الأسئلة و البحث عن أصول الأشياء، فقد رسمت تابلوهات فنية رائعة، فاهتمت بالتفاصيل التي تحيلك لهذه العوالم المحببة مثل الذكر ، المولوية ، اللوح ، المخطوطات ، أشعار الحلاج ، الموالد مثل ” مولد اللاوندى ” وهو أحد العارفين بالله ، البخور ، الزى، الزخارف ، المولوية وغيرها، فالكاتبة تكتب عما تعرف ؛ فقد عشت معها في خيال رحب و صفاء شعرت فيه بمتعة حقيقية حتى خيل لي أنى معهم، ربما قد نلت بعض الجوائز عبر سردها وكيف كانت الكاتبة ماهرة بعرض قصص فرعية تشى و لا تصرح كما فعلت عند زيارتها بيت الجد العارف بالله ” الجد يوسف ” حيث قصص خالتها ، قصة الغجرية-التي برأت ساحتها بعقد الزواج -، كذلك عند زيارة حارة الست دلال و قصص زوجة الحسيني ، والأطفال ، المقهى حيث تناول الممنوعات . “مونا و أحلام” كونا خطين متوازيين فكل منهما كانتا امتداد لجد من العارفين بالله و هو” الشيخ يوسف ” الذى له كرامته و بركاته فقد تمنيت أن تسير الرواية في هذه العوالم الروحية تحلق و أحلق معها حيث الأفاق الرحبة و المحبة السامية . فقد كانت “مونا” تطرح الأسئلة على نفسها و أمها وأختها و تبحث عبر “جوجل ” كما وجدنها تقدم لنا الإسقاط النجمي وحدثتنا عن هذا الخيط الفضي الذى يربط الروح بالجسد فقد كانت منهمكة في البحث عن سر الوجود و الروح واستعدت الآيات القرآنية التي تساعدها على فهم ما ترنو له ، كانت أمها قلقة عليها عبر السرد فقد كانت تعلم ما قد تصل له خلال طرح الأسئلة المعقدة و هي عندها الإدراك و الحالة وقد وقعت “مونا” في إشكالية كبرى في نهاية الرواية عبر التجريب التي مارسته من خلال تلقته من معرفة وهى التي كانت مفتاح لم شمل الأسرة فلولا محاولتها و ما تعرضت له لما كان مشهد النهاية قائم و السبب حالة التفكر و البحث والإيمان الكبير بالقوة الروحي
العوز و الواقعية:
شكلت شخصية الدكتور مراد” و أمه الست “دلال” مرتكز هام جداً في سرد الكاتبة للرواية ومحرك درامى أساسى بُنيت عليه الكثير من أحداث الرواية ؛ فلا يمكن تجاهله فقد كان ضالع في الأحداث بقوة في الفصل الثالث وبلغة واضحة عبرت عنها الكاتبة كما وصفت في ص 161 “أمي أو الست دلال ، هكذا كانوا ينادونها في الحارة ، رغم فقرها المدقع “، وهذا الفقر هو من شكل حياة مراد وأمه بالطبع كما قرأنا أثرت في أغلب أحداث الرواية فرؤيته للنساء بسبب أمه (وهى نظرة غير مؤكدة كما تبين من “مونا” عندما طلبت منها زوجة “الحسيني” أن تطلب منها السماح )جعلته يأخذ موقف بالظن ويكون وجهة نظر وإن كانت -(مؤكدة) فلا تدعو للتعميم وهذا سلوك غير ناضج – من جميع النساء وجعلته ساديا معهم و منحاز لانحرافاته معهم مبررها أمه والفقر الذى نشأ فيه.
ففى ص 165 عندما حدثته أمه “يا مراد ” ، أنا وأنت كورقتي خريف في مهب الريح لا غصن لنا أو مأوى.. قد نحيا اليوم بالفتات، وماذا بعد ذلك؟! ”
نموذج مراد يمثل قطاع عريض من البشر في طريقة التفكير و الانتهازية لخلق مبررات لانحرافاته مع عدم المراجعة في وجهة نظره في سقطات الأحرين و إن كانت أمه ! فهو باحث عن المال و الشهوة و سلطوي فلم يرضى حتى باسمه فنجده في مفتتح الفصل الرابع ص 161 يقول ما يلى “مراد هو اسمى الذى لم أرض به يوما ً كم أردت أشياء و ضنت على الحياة بمنحى إياها أردت الأمان و سلب منى حين وجدتنى أنا وأمى بغرفة عارية من السقف بأحد الحوارى الشعبية أردت الشبع و نمت ليلة بصباي إلا و الجوع يقرص معدتي، أردت الحنان وكيف و أنا صبى ملقى بإحدى الورش الميكانيكية بملابسي الزيتية الرثة ؟! “
فالعوز وعدم الرضى كانا دافعان أساسيان في انحرافات مراد كما صورتها الكاتبة عبر المرويات و بررت لنا كيف يتكون هذا النموذج وكيف يستغل ذكائه في فرض أمر واقع لكل من حوله و تحت سيطرته مراد هو نموذج دال على هذا النوع من البشر بيننا الذى تحركه شهواته و ماضيه ليصبح من في دائرته ضحية لأمور لا دخل لهم بها فقط كونهم تحت إمرته ! فلتذهب بذاكرتك للجامعة أو لموظف كبير أو مسئول، جار أو قريب و غيرهم كثر فيهم ” مراد” بشكل أو بأخر ! وابحث عن نشاته فلسوف تجد مراد متشابك معهم في العديد من الأمور. فالأدب هو من يجعلك تخرج من دائرة القراءة و الشخوص في النسق السردى لتؤشر على هؤلاء الذين ربما قابلتهم في رحلتك الحياتية تعاملت معهم أو رأيتهم مع أخرين ! ينتهجون سلوك مواز لما قرأت !
الفن (لرسم):
استعانت الكاتبة بفن الرسم عند ” أحلام” الموهوبة في الرسم كى يكون حجر زاوية في الأحداث التي بها أضافت شخوص ثانوية مثل شخصية “غادة العلى ، ” د أسامة” الفنان الذى كان ظهورهما قليلاً لكنهما كانا نبيلين بامتياز ” فهما من أعادا “لأحلام” ثقتها بنفسها وبقدرتها في موهبة الرسم التي رثت بها “عطاء ” هذ ا الرضيع الذى تعاطفت معه بشدة ، فقد كانت ريشتها و لوحاتها مصدر من مصادر البوح والثورة على واقع رتيب مؤلم . وهنا الفن يبرز دوره في خلق حالة من التوازن في الحياة و لا أدرى لماذا ذكرتني الكاتبة بالمرجع الهام ” ضرورة الفن” للكاتب “أرنست فيشر”
فالرسم كان له أثر ايجابى و معنوى في كشف كثير من الأحاسيس و المشاعر في نفوس الشخوص الأساسيون مثل مراد الذى كان وغدأ متعالياً قمعى بامتياز فقد نجحت الكاتبة من خلال السرد خلق حالة كره و حب ، تعاطف و استياء وهذا يحمد للكاتبة التي صممت الأحداث و ضبطت الإيقاع الدرامى له مما فجر تلك المشاعر في روح المتلقى الذى يود أن يدخل الحدث بنفسه و ينتقم لأبطاله المنحاز لهم وهذا يحسب للكاتبة فقد مقت “مراد” وتخيلته وهو و يمزق لوحات “أحلام ” تلك السيدة الفاضلة التي أحببت أدبها و روحها و أصلها الطيب و رقيها في التعامل وعدم رد الإساءة بمثلها عبر الرواية رغم كل الصعاب التي واجهتها فقد كانت قمة الرقى فقد استخدمت الفن و ريشة الفنان كسلاح تواجه به الأزمات! وتنتصر عليها !! ما أجملك “أحلام” !
ذوي الهمم “عطاء”:
بأسلوب جميل و وضوح قدمت لنا الكاتبة مادة علمية و حالة إنسانية راقية في نقل مشاعر أسرة تفاجىء بوجود مولود من ذوى الهمم ، وحالة من الرفض لمدة ثوان معدودة من الأم ثم حب عارم؛ فقد نجحت في تطوير الحدث ببراعة منذ تلقى الخبر و أثره عليها و الاستعداد لتتعامل معه و كيف امتصت الصدمة ثم تأتى ” الأمومة ” ، “الرضا بالقضاء” وكما قال لها والدها ” التسليم ” فقد كانت رائعة في وصف ولوج هذه الحالة والتعامل معها. كيف قدمت لنا نقد مباشر لمجتمع غير منتبه لحالات ذوى الهمم مثل حالة “داون ” التي أشارت لهم وكيف كانت تتحرك عبر صفحات ” الفيس بوك” لتجد العون و المعرفة وهنا جور الفن الذى بطريقة غير مباشرة تشير على السلبيات بالفن و تجعلك تنتبه لما يوجد من عوار و ربما يصبح مستقبلاً تأريخاً لمرحلة كانوا فيهم ذوى الهمم مهملين ولأجدنى منصف بتحرك الدولة بايجايبة تجاههم و لذا ربما نجد عناية تجعل الكتاب عندما يلجئون للكتابة انتهجوا مسارا آخر لتحتفظ الكاتبة بصفحة تاريخية لما كنا عليها إذا ما تغير الحال فقد قدمت فتحت الكاتبة النافذة كى يتعلم كل قارىء كيف يتصرف مع هذه الحالات وكيف ينظر لها ويتعامل معها. أما عطاء الذى لم يمكث شهرين فاسمه جميل و الاسم دال وقد نجحت الكاتبة في اختيار أسماء الشخوص لتكون دالة. فلحظة موت عطاء وما بعدها رسمتها الكاتبة باحساس عال جدً كما رسمت حالة يتم “أحلام” قبل ، أثناء ، وبعد الولادة باقتدار فكم كررت جملة ” من أخبرهم أنى يتيمة! ” ف ” عطاء” هو الوسيلة الدرامية التي قدمت الكاتبة من خلالها مشاهد إنسانية عالية الحس و خلقت نوع الانحياز “لأحلام ” كى يبرز عطاءات الأم اللامحدوة ولا عجب فإنى أقرأ و أكتب عن رواية “الخيط الفضى” في يوم المرأة العالمى و في شهر عيد الأم وهذا ليس صدفة بالنسبة لى فالصدفة لها قانون قد نجهله لكن لا ينفى وجوده.
الفضاء (المكان & الزمان):
الزمان:
الزمان لاعب رئيس في الحياة عامة و في الأدب فبدونه لا تستطيع فهم الأحداث والحكم عليها ومن ثم تقبلها أو رفضها فمن خلال السرد و آلياته نجحت الكاتبة في التعريف بزمن الرواية دون تصريح عندما استخدمت العديد من الألفاظ المستحدثة التي استوعبتها لغتنا الجميلة على سبيل المثال لا الحصر ص 122 ” أمسكت بالهاتف لتغير خاصية كتم الصوت وإذ بعشرات الاتصالات و الرسائل و الاشعارات الفائتة بعضها من أقارب للتعزية، وبعضها أجهل مرسلها، فكرت بشيء لم أجربه منذ تفعيلي حساب الفيس بوك “ فكل هذا كان دال على المعاصرة التي صاحبت صيرورة الأحداث في الرواية ولذا نتفهم و ندرك ما تكتب عنه الكاتبة و تساهم في ازدياد قناعة المتلقي بالأدوات التي تقدمها والتي تناسب الزمن المروى عنه لا أن تتركه يتحرك في فضاء فارغ لا تحكمه قواعد.
المكان:
المكان اختيار الأمكنة داخل الرواية على سبيل المثال لا الحصر حضرت تلك الأمكنة الحارة و البيت القريب من القطار والمقابر و الحديقة والمشفى وبيت الجدود، محل العطارة و المقهى نهاية ببيت قريب من البحر فقد كانت موفقة ومتنوعة و متناسقة مع جو الحوار الدائر بين الشخوص ، فقد كانت هذه الأمكنة تساعدنا في رسمها لتخيل الأحداث و فهم ثقافة المكان الذى يسقطه على قاطنيه، حضر مولد اللاوندى الذى أسس للأجواء الصوفية ،وكذلك الصعيد ليرسم شخصية الست دلال. لكن ثمة شيء ما أفتقده في هذه الأمكنة التي طرحتها الكاتبة فالمكان الجامع لتلك الأمكنة الصغيرة ربما محافظة الدقهلية فهذا كان يضيف بالطبع لتعميق الأحداث
مما يعمق من الأجواء الدرامية التي لها وقعها بجانب اللغة و الحوار فى نفس القارىء.كما أن المكان يساهم بشكل كبير فى إحكام المشهدية فى البنية السردية كى تنتقل للحدث مباشرة مستلهم من المكان الدلالة التى تحيلك له مما يساعد فى تقديم رؤية مكتملة لها معالم راسخة فى ذهن القارىء.
اللغة في رواية “الخيط الفضي (أحلام موناليزا) “
لغة الكاتبة سهلة دون ابتذال، تتسم بالمشهدية أو السينمائية ، كأنها تصور ” مشاهد تليفزيونية ” بلغتها حيث سحر السرد حاضر بقوة ، مع الوضوح رغم الفلسفة التي ضفرتها فى طيات الحكايات وعمق الدلالات فى كل البنيات التى قامت عليها الراوية. تتسم اللغة بالحيوية فنمط العوالم الرواية منظم و ملىء بالجمل الفعلية التى تجعلك تتفاعل مع الحدث وسيطرت الحكمة على العديد من الجمل السردية فلم أشعر بأن الكاتبة طلت برأسها عبر المرويات التى ساقتها لنا. فنجد أن رواية مكونة من أربعة فصول (وجوه) سبرت أغوارها بإحكام فكل فصل قائم بذاته و ينقلك لما هو بعده ثمة رابط ما بينهما و لكل فصل بطل خاص به ، فعناوين الفصول متسقة مع الأحداث و تدلل عليها فصل تمكنت الكاتبة من تقسيم الفصول ببراعة من حيث مساحة كل فصل و ترتيبه فلم أجد صعوبة فى التواصل مع الفصول وكذلك الشخوص عبرها تنقلت بهم براعة فتارة بالضمير وتارة أخرى بالدلالة فلم أشعر برتابة أو ارتباك أو وجود فجوات ، وهنا دور اللغة التي سخرتها الكاتبة بإمكانيتها السردية
نمط الجملة بداية الفصول:
ففي الفص الأول نجد “شعور بالاغتراب لا أعرف ماهيته تسلل إلى منذ طفولتى بمكر حتى تملكنى وتوحش مع عنفوان شبابى ” فقد كونت جملة اسمية من 17 كلمة و حرف فالدخول للرواية كان جعلت تدخل حدث كأنه بدأ و أنت تأخرت ثوان مما يدل على الديناميكية التي سيعج بها النمط السردى.
أما غى الفصل الثانى حضرت الجملة الاستفهامية ” كم مر من الوقت وأنا على هذا الحال ؟” لها رونقها وتدخلك مع الشخوص في الإشكاليات التي تفرض وجودها عليهم.
وفى الفصل الثالث حضرت الجملة الاسمية التقريرية القصيرة ” مراد هو اسمى لم أرض به يوماُ، سبع كلمات أخبرتنا عن ” مراد ” هذا الكارثة التي ادخرته الكاتبة كصانع الألعاب في الرواية يحركنا و يحرك الأحداث.
أما الفصل الرابع و الأخير فقد حضرت الجملة الفعلية بالماضي “هرولت لأستكشف ما الحدث، ” فقد وفقت الكاتبة في الصياغة و الاختيار ولفظ هرولة له دلالة في روح المتلقي فقد هرولت هاجر للبحث عن الماء لسيدنا إسماعيل عليه السلام و هنا يهرول البطل من فلذة كبده !
نمط الجملة الإسمية الإستفهامية
حضرت الجمل الاستفهامية 715 مرة عبر الرواية فقد كانت متماهية مع نسق الشخوص على رأسها “مونا ” الحائرة و كذلك “أحلام ” التي كانت تعيش مأساة مع زوج منحرف وقاس فكانتا كل منهما تبحث عن أجوبة وجود تلك التساءولات بهذه الكثرة تشرك القارىء في النسق الدرامى لا شعوريا و تجعله جزء من الحدث لا شاهداً عليه.
نمط الجملة الفعلية:
تصدرت الجمل الفعلية بكثرة عبر احداث الرواية وهى مطلوبة كى تتحرك بنا و تحرك الأبطال و الحدث و تطرد الملل وهذا من أسباب عدم الشعور بالرتابة داخل النص.
الأسلوب:
الكاتبة كان لها أسلوب يتميز بالتشويق و الإثارة و الحكمة على لسان الشخوص داخل الرواية عبر عمود الحكى ،كذلك الحدس الذى استعملته من داخل شخوص العمل انتقل إلينا ككقراء مثلما كتبت على سبيل المثال:
ص 115 ” يا لقلبى المسكين الذى يرق لمن لم يحن عليه أبداً” ما هذه الرقة و العذوبة التي تصف بها الكاتبة “أحلام ” هذه الزوجة المثالية .
ص 136 ” ما أخشاه هو “مراد” ُ ذاته، ي ُ رهبني صمته، فماذا عن ثورته وغضبه؟ ” أيضاً “أحلام” و هي تصف لنا بكل براعة بشاعة الزوج بلغة بليغة و تحيلك لمدى المعاناة التي تتكبدها نظير العيش معه ومدى القلق النفسى الذى يصدره لها حتى صمته صار بشعاً ! .
ص 137 ” واجهت تحديات علي الصعيد الشخصي قبل تحديات ريشتي حينما قررت َ مواجهة ْ الصعوبات اختفتَّ ولم أجدها، إلا بداخلى ” جملة بليغة مفعمة بالحكمة فالانتصار الأول و الأصعب هو الانتصار على النفس. أيضاً “أحلام” كم هي جميلة بحق !
ص 144 ” الحمد الله على نعمة الإله ، والحمد الله على نعمة الرجوع إليه والإنابة و الأوبة” من حوارات “أحلام الراقية المتأملة في حياتها و ملكوته.
ص 145 ” هل أعتزلهم وليرنى مراد ماذا يفعل مع أمه المريضة؟ وكيف يتصرف في شئون البيت مع ابنتيه؟ أهكذا انتقامك يا أحلام أهكذا كل يمكنك فعله؟ ! دعك من هذا التفكير، ما تفعليه ليس له شأن ” بمراد” ، ولا بأمه ولا بأحد ، ما تفعلينه لوجه الله، أزعجك البشر ؟ هذا قدرك ربما رفع عنك سوء لا تعلمينه ، الله لطيف ، فليكن في تعاملك لطف كما يلطف بك الإله ” ما هذه الروعة في حوار الذات و التي تنتصر فيها الروح على النفس التي تريد ان تنتقم وكيف تلجمها وتسوس أمرها للخير تاركة كل ما في الدنيا من أدران لأهلها، أسلوب بليغ مكثف محكم و جذاب فهى تروض نفسها على الخير و تعيد على مسامعها في نقد ذاتى مخلص حتى تستقيم كما تعودت !
ص 152 ” كل ما تمنيته يحدث فقط لو أردت ! ” هذا ما قالته “غادة العلى ” لأحلام ” حتى تعيد لها ثقتها في نفسها و تدفعها للأمام ما أجمل الكلمات الملهمة من الأصدقاء في لحظات الضعف و أثرها في النفس.
ص 155 ” ليست المعرفة وحدها، فالجميع يعرف والبعض يدرك والقليل هو من يعي، حتى الوعي له مراحل ” من كلمات “غادة العلى ” آه على الوعى وآه من الوعى الكاذب !!!! الذى يدعيه البعض ويروج له بالباطل فهناك فارق بين المعرفة و الإدراك و الوعى !!! كلمات مضيئة و أسلوب رشيق غير مترهل ولا متكلف.
ص 158 ” الحياة كل شيء عدا أن تكون لعبة يا “ليزا”..-علي الأقل هذه قناعتي التي ترحيني، المهم سأصبح بطلة ولو علي الورق.. ” هكذا كانت “أحلام ” فتصف حياتها المعذبة و هي البطل الحقيقي بأنها أخيراً ستكون بطلة ولو على ورق ما أظلمك يا مراد فكيف طاوعتك نفسك أن تخلق هذه العذبات و تطفيء هذه الوردة الجميلة !
ص 179 ” اتخذت ً حجرة ً صغيرة داخل المنزل مع سوائل ومركبات، والغريب أنني نسيت عوالمي الأخرى نسيت عالم فتاتي الخيالي ،ومدينتها الفاضلة، نسيت عالم أمي الواقعي وسكنها المقبض، نسيت “الحسيني” بوجهه الغابر وصوته المنفر ، نسيت الحارة و ما كان فيها ، الحقيقة أنني نسيت نفسي وسلبني العالم الجديد هذا حتى من روحي، ظننت ُّ حينها أنني وجدت ضالتي ولكن يظل الظن ظناً حتى يصفعه اليقين ” ما هذا الجمال والحوار الكاشف في نفس مراد الكاتبة تكشف نفسيات أبطالها بحوار داخلى حقيقي يفرض عليك تقبل أفعالهم و تعاطفك معهم والقسوة عليهم وكأنهم شخوص بيننا ألبستهم اللغة روح التواجد معنا و التفاعل معهم فهذا هو مراد الشخصية الكارثية في الرواية و هو يكاشف نفسه بحالته فكل المجرمين مدركين ماذا فعلوا و كيف !
ص 183 ” ولكن ً واحدا منهم حييا بيننا، وقد تصيب العدوى باقي أفراد علي حين غفلة مني، واحد منهم أخشى منه أكثر من خشيتي عليه! انغماسي في تركيباتي عقاقيري جعل مني زائر َّفيه، لا أحد منهم يعرف أن غرفة الطعام والصالة مزودة بالكاميرات، ْ كل ما يعرفونه تلك الكاميرا التي بالخارج أمام المنزل، يوم وقعت أمي كنت مستغرقاً في العمل ورأيتها عبر الشاشة فأسرعت ْإليها “.
ما هذا الجرم تتجسس على بيتك بكاميرات ما هذه النفسية المريضة وعدم الثقة حتى في أهلك كيف نجحت كاتبتنا في رسم الشخوص باقتدار و زرعت فيهم ملكات الخير والشر و جندت أدواتها السردية و التكنولوجيا و العلوم النفسية معاً كي تخرج لنا هذه الشخوص !.
ص 209 “كل ما مس روحي لم يتركني أبداً ، أما تعب الأجساد فأيناه الآن ” جملة بليغة على لسان “أحلام ” حذار من الإيذاء المعنوي فهل لن تجبره الأيام !
تاثرت الكاتبة بالجمل التي تحمل الحكمة وكذلك الاستدلال بالكثير من آيات القرآن الكريم مما يعكس ثقافة عالية و فهم مستنير فوظفت هذا بشكل متناسق بلا تغول أو تفريط.
استنتاجات
لقد كانت الرواية مشوقة و مليئة بالرسائل المباشرة وغير المباشرة فقد كانت الصوفية و الحدث و القيمة تلمع و تبارز المادية و الانحرافات بشرف فقد كانت النماذج الطيبة مثل “أحلام ” ، “مونا” ، “ليزا” ، “غادة العلى” ، ” الدكتور أسامة” ، الحاج ” حسين” ، “عطاء” والجد ” الشيخ يوسف” و زوجته كل هذا كان بينهم صراع كل في معركته مع كل من ” الحسينى ” ، ” مراد ” ، ” الست دلال” ، الساقطات التي ترد ” معمل مراد ” ،” زوجة الحسينى ” فقد وجدت ثنائيات مرتبة وكأن الحياة شطرين صراع أبدى بين الخيروالشر بين الطمع و القناعة بين الخوف و الطمانينة بين الروح و المادة بين الحياة بمفهومها الواسع والموت !
لم أفهم كيف ل “مراد” الذى عشق “أحلام” يفعل بها كل هذا ثمة فجوة في هذا الأمر لم يبرر لى عبر الرواية كما أن ” أحلام” بدت و كأنها مقطوعة من شجرة و هذا لا يتسق مع التقديم و الهالة التي قدمتها الكاتبة فمثل هذه العائلات الكريمة مترابطون عبر درجات القرابة البعيدة وليس الدرجات الأولى فقط
الحبكة في تحول “مراد ” من نمط الشرير المنحرف كان يحتاج مزيد من التعميق و الصدمة كى أتبنى هذا التحول فهو للنهاية منحرف بصباص فجميل أن يتحول وفرحت “لأحلام ” والبنات هذا التحول الذى بالطبع يستحقونه بيت جديد على البحر أثاث جديد و مرسم
التحليل الإحصائي
يعتمد على البحث فى قاموس الكاتبة التى قدمت لنا الرواية على تكوين فكرة واستخراج دلالة عبر البحث فى متن السرد التى اتبعته، وهى بالطبع غير مكترثة لهذه اللحظة أن هذا البحث سيقدم نموذج (أ) و نموذج (ب) كل له طريقته فى بنية محاور بحثه. فالنموذج (أ) سيبحث عن المفردة والنموذج (ب) سيبحث عن الشخوص كما يالى
نموذج (أ)
لاحظت من خلال قراءتي للرواية أن الكاتبة انحازت لبعض المفردات ، وقد كررتها بتيمات مختلفة ، فهذه المفردات تشعل شغف بداخل كى أرصدها محاولاً التحليل كى استنبط الدلالة وراء تلك المفردات تحديدأ فى صورة نماذج :
تكرر لفظة “حلم” ومشتقاتها 35 مرة: الحلم كان لاعب أساسي في تكوين الرواية ليس بمعناه المتعارف عليه ربما ،ولكن بمعنى أحلام فعادة الروح تحلق مع الأحلام وتنطلق فليس غريب تكرارها كى تحرر الجسد من ماديته البغيضة.
تكرر لفظة النوم ومشتقاته 30 مرة:
الحلم متلازم مع النوم فكان طبيعى أن يتكرر النوم ، فربما النوم هنا هروب و الحلم أيضاً وهذا يتسق مع نسق الشخوص خضم معاناتهم فى الحياة التى تحتاج للنوم هارباً او مستريحا ً لتستعد لمعارك جديدة أو قائمة بالفعل. ولأننا هنا في حالة خاصة فقدكانت أحلام اليقظة حاضرة مبررة تفوق عدد مرات تكرار لفظ الحلم على النوم لأنه حدث في الواقع .
تكرر لفظة قلب ومشتقاتها 88 مرة مقابل العقل 7 مرات :
أجواء شاعرية و صوفية و شخصيات حالمة فطبيعي أن يتكرر القلب كل هذا العدد عبر السرد مما يدعم رؤيتنا على أجواء النص الروحانية والإنسانية. بينما العقل حضر سبع مرات فقط ممايؤكد النزعة الروحية في العمل !
تكرر لفظة الخوف 6 مرات والطمأنينة 5 مرات:
فقد تقاربا في مرات التكرار ليؤكد حدة الصراع و احتدامه بال الخوف هو من كان المتصدر نظراً لما شاهدنا في كثير من المواقف مثل الاسقاط النجمي، تجربة ميلاد ووفاة عطاء ، مراد أحد مصادر التوتر في الرواية ، كذلك الست دلال ، الحسينى ، وأيضاً مرض “مونا” وغيرها عبر المرويات في الرواية، فقد كان الحوا الداخلى موضح الكثير من حالات القلق الإنسانى و كيف يكون المرء مشاعر الخوف من الداخل.
تكرا ر الليل (36)، المساء (6) ، الظلام (3) معتم (1)، غروب (2) <48 مرة > مقابل نهار (5)، صباح (10)، شمس (9)، النور(8) <32>
من هذه المقارنة البسيطة نجد ما يدعم ما سبق من سيطرة الخوف على أجواء الرواية فالدراما تتطلب هذه التشابك و الصراع بين (الظلام و النور )، ( العقل و القلب )، ( الروح والجسد) ، ( الخوف و الطمأنينة) وهكذا ثمة ثنائيات متناقضة تتصارع معاً
تكرر لفظة (روح) ومشتقاتها <112> مرة بينما جسد (نفس) ومشتقاتها 62 مرة ، (جسد) 40 مرة ، بدن (5) <107>:
فهذا له دلالة على أن الحياة بلا روح ليست حياة وأن الجانب الروحى فى الحياة يجعلها نابضة ، وكأن الكاتبة تريد من هذا التكرار المعنوي أبقى من المادي و الوجدان له قيمة أعلى من الأبدان والصراع بين المادي والمعنوي محتدم حتى في تكرار الألفاظ الدالة على كل منهما .
تكرر لفظة (الموت) ومشتقاتها <15> مرة بينما الحياة (11) مرة:
فالموت هو العالم الذى تنطلق فيه الروح بلا قيود بعدها حيث الخلود بينما الحياة التي يقيدها الجسد و كأنها الموت لأرواح معتمة ربما عاشت ميتة و هذا متناسق مع الأجواء التي دارت حولها الرواية حيث الصراع الوجودى من نمط طرح أسئلة صعبة كادت تؤدى للموت مثلما حدث مع “مونا”.
تكرر كلمة (رسم) و مشتقات 18 مرة ولوحة 24 مرة :
فهذا الترابط بينهما دال والتكرار يدلل على دور الفن وخاصة الرسم في أحداث الرواية و هذا كانت الطاقة التي كانت تشحذ قوى “أحلام ” و قدمت براعة و خلقت أجواء درامية مؤثرة في سير الأحداث، كما أنني لا أنسي أو أغفر ل ” مراد” هذه الوحشية في مشهد رسمته الكاتبة بحرفية و هو يمزق اللوحات !
نموذج ( ب )
تكرر اسم مراد 117:
ليؤكد أنه واحد من أهم الشخوص في الرواية رغم ظهوره بكافة التفاصيل في الوجه الثالث ، وهذا دليل حرفية الكاتبة في التقديم و التأخير دون التأثير علي تطور الأحداث سلبياً بل بالعكس كل من قرأ ظل يتحين لحظة ظهور “مراد ” و معرفة المزيد عنه و لكن كما قلت في مقدمة الدراسة أن لاعب رئيس في الرواية تصدقه الإحصائيات !
تكرر اسم أحلام 111 مرة:
تؤكد أهميتها درامياً و إحصائيا أيضاً وهذا متسق مع تم التقديم له
تكرر اسم ليزا 83 مرة :
وهذا مفاجئ لى حيث كانت تبدو كعامل مشترك بين الشخوص فقط يقدم لنا شخصية تبدو طبيعية لتكسر حالة الجدل بين شخوص حالمة و أخرى مادية فقد كانت حلقة وصل بينهم جميعاً
كرر اسم اسم مونا 68 مرة:
وهذا ليس مفاجئ لى حيث كانت بدأنا معها في الوجه الأول وهى من كانت تطرح الأسئلة الصعبة وهى كانت نافذة الإطلال على معظم أحداث الرواية.
كرر اسم اسم دلال 36 مرة:
هي و مراد لهم دور رئيس و كانت محور مهم في ظهور مراد” وأثرها عليه شكل معظم الأحداث و كذلك علاقتها معه و “أحلام ” كان سبب هام في التطور الدرامى فلا عجب من تكرارها بهذا العدد عبر الرواية.
خاتمة الدراسة
الطيبون ينتصرون في النهاية رغم مشقة الحياة ومكابدتها !، علينا ألا نتخلى عن التمسك بالقيمة و الفن الجيد الذى يخلق وعياً حقيقاً ينتصر لقيم الحق و الخير و الجمال. لا تكن مثلهم إذا ما أتيحت لك الفرصة أن تنتقم من خصومك أن تنكل بهم كن إنسان كن ك “أحلام ” التي لم تنحرف و تدخل في علاقات مشبوهة ، حافظت على شرفها واسم زوجها رغم كل المآسي و الجرائم التي ارتكبها في حقها فقد حافظت على البيت فربما البيت هنا الوطن الذى علينا أن نتمسك به ولا نتخلى عنه إذا ما ساءت الأحوال ! تمسك بموهبتك وثق بها واعمل على تطوير أدواتك فالموهبة وحدها لا تكفى اذهب و تعلم وأثقل موهبتك بالعلم كن ” كغادة العلى ” التي فتحت الأبواب لموهبة ” أحلام” وحاربت من أجل وصول موهبتها للعالم دون البحث عن دور ” كونوا نبلاء تجاه الموهبين ” و لا تكتموا كلمات الثناء الدعم لكل موهوب فلربما أحييتها، ” فمن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.
علينا النظر بعين فاحصة لبيتين بيت “مراد” و النشأة المعدمة و التجارب التي شكلته في التكوين وبيت “أحلام” الزوجة التي نشأت في بيت متصوف ” الشيخ يوسف ” ونصنع مقارنة بينهما كى ندرك الفرق في التكوين في كل منهما روحياً و أخلاقياً ونرى كيف كانت التربية وكلمات ” الشيخ يوسف ” وزجته معين ” ل أحلام ” عبر الرواية بينما الفقر والشراهة و الانحلال في حياة مراد الأولى كيف كان أثرها و ربما ظهور الرجل الطيب ” عم حسين ” وأثره في زرع الأمل في نفسه كي يكون طبيب. فالنشأة و ظروفها و ملابستها و مايفعله الآباء هو محور توجه لخير أو لشر فعلينا الانتباه