إن المُتتبع لتاريخ الطوافة للحج والعمرة يجد أنها قد مرت بثلاثة عصور العصر الجاهلي المُتمثل بالسدانة لخدمة بيت الله الحرام والعناية به، ثم بالرفادة وهي خدمة الحجاج؛ ثم بالعصر الإسلامي عبر العمل الرسمي، ثم العصر الحديث وتطورها لتصبح مناسبة لحجم المملكة العظمي ومكانتها الإسلامية والدولية.
وقد بدأت بجانبين جانب الإعداد لذلك من دولة الحاج بالعملية التي تبدأ من الدول لرعاية الحاج منذ قدومه إلى الأراضي المقدسة وحتى انتهائه من أداء المناسك والعودة إلى بلاده، ثم بالجانب الآخر، والمتمثل بالخدمات الشعبية والرسمية التي تقدم للحجاج والمعتمرين في الأراضي المقدسة، حيث بدأت بخدمات فردية لخدمة ضيوف الرحمن، ثم تطورت إلى مهنة مؤسسية عبر العصور تعود إلى أكثر من خمسة قرون مضت.
وكانت تنقسم إلى فئتين، وهما: المطوفون بمكة المكرمة، والمزورون بالمدينة المنورة. وقد كانت مهنة الطوافة قديمًا سمة شرف للعلماء والفقهاء من سكان مكة المكرمة والمدينة المنورة، لاستقبال وفود الدول الإسلامية ممن يفهمون لغاتهم، حيث كانت بيوتهم ملجأ طوال العام لطلبة العلم الذين يوفدون في مواسم الحج.
وقد أبقى لهم تلك الوظائف الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ عندما دخل مكة المكرمةـ ثم تطور الأمر لهذه المهنة والاهتمام بها حيث وصل ما تضمنته الهيئة التنسيقية لأرباب الطوائف إلى 9 كيانات تخدم الحجاج وهي: “مكتب الوكلاء الموحد، مكتب الزمازمة الموحد، المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا وأستراليا، المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج إيران، المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج دول جنوب آسيا، المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول الأفريقية غير العربية، المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج دول جنوب شرق آسيا، المؤسسة الأهلية للأدلاء بالمدينة المنورة، والمؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول العربية؛ وذلك لتحويل عملية الطوافة من العمل الفردي بأسماء المطوفين، إلى العمل الجماعي بتكوين عوائل الطوافة، ثم إقامة شركات الطوافة؛ ليتم التحول من نظام المؤسسات إلى نظام الشركات. والعمل تحت مظلة وزارة التجارة، وإشراف من وزارة الحج والعمرة على الخدمات المقدمة للحجاج.
ثم تطور الأمر؛ ليكون بشكل أكبر عبر عمليات الاستحواذ بين الشركات العاملة في مجال الطوافة بالاندماج وبمعايير دولية، لتكون على مستوى التطورات التي قدمتها المملكة عبر مختلف مؤسساتها الرسمية لخدمة الحج والعمرة للعمل بطرق حديثة تستوعب كل التطورات المتعلقة بتحسين خدمة الحجاج والمعتمرين، وباقتصاديات ضخمة تؤدي إلى تخفيض التكلفة المصاحبة لإنتاج عدد أكبر من المنتجات أو الخدمات، وذلك من خلال خفض عدد العاملين الناتج عن دمج الأقسام المتماثلة والاستحواذ بالسيطرة على نصيب أكبر من مخرجات القطاع الذي تنتمي إليه كل من الشركتين طرفي الاستحواذ، ومن ثم زيادة قدرة كل من الطرفين على التأثير على اتجاهات الإنتاج والأسعار بقطاع الحج والعمرة، والعمل وفق جودة عالية وقدرة على مواجهة المنافسة القوية بالسوق المحلي أو العالمي بزيادة منتجاتها أو إدخال منتجات جديدة لها لم تكن تنتجها من قبل.
وهو الأمر الذي يؤدي إلى تمكين الشركات من ضمان استمرار تدفق مستلزمات الإنتاج والسيطرة على أسعارها؛ سعيًا وراء التحكم في تكلفة الإنتاج، وذلك عن طريق الاستحواذ على شركات تُمثل مخرجاتها النهائية مستلزمات أساسية لتشغيل الشركات المستحوذة، واحتكار السوق بخدمات عالية الجودة ومريحة للحجاج والمعتمرين، وأيضًا توفير الفرصة للشركات الضعيفة والمتعثرة والمهددة بالإفلاس؛ لتجد طوق النجاة كحل للهروب من شبح الإفلاس ومن ثم التصفية، فضلًا عن تقوية مركزها المالي بنقل موجوداتها إلى شركة طوافة أخرى أكبر منها حجمًا وقدرة مالية، لتتخلص من التزاماتها المالية التي أنهكتها وأدت لعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها. هذا، بالإضافة إلى ما يمثله الاستحواذ من تنويع في الاستثمارات وضمان استمرار تحقيق الشركة المستحوذة لمعدلات نمو مستقرة في الأرباح، وتجنب التذبذب في الأرباح المحققة، مما يكسب المستثمرون طويلي الأجل الثقة في الشركة المستحوذة وفي إدارتها.
كما أدى الاستحواذ إلى قيام شركات طوافة كبيرة بإمكانات ضخمة وبنية تحتية متكاملة وقوية؛ لتقدم صورة حسنة عن المملكة وتكوين انطباع إيجابي لمن تقدم لهم خدمات تلك الشركات من حجاج ومعتمرين بما يلائم مكانة المملكة الدولية، وتحفيز ليس المستفيدين منها فقط بل يصل لخدمة مجال السياحة.
0