المقالات

الكبت يولد الانفجار

كتبت مقالي هذا الذي تقرؤونه الآن قبل عدة أشهر من تاريخه، وقد قررت تأخير نشره بهدف المزيد من التنقيب والتنقيح حول الموضوع، واليوم قررت نشر المقال في صحيفة مكة الالكترونية، ولكن قبل النشر وقع نظري على تغريدة الزميل الخبير الاجتماعي طلال الأسمري الذي غرد بها في تاريخ ١٨ / ٥ / ٢٠٢٣م، والتغريدة في الواقع تدعم فكرة وموضوع مقالي المستوحى من واقع الخبرة العملية والميدانية، وقد جاء في التغريدة الآتي:
“في بحث تم عمله على ١٣٠٠ شخص …
‏يمتنع ٨١% منهم عن البحث لحلول واستشارات عن الخلافات الأسرية من المتخصصين ؟
‏ …ماهي الحلول والمقترحات التي ترفع من زيادة طلب المجتمع على الاستشارات الزوجية والأسرية؟ ” انتهى

أما الآن أعود لمقالي الذي لعلي أساهم به في تشخيص المشكلة وتوضيح بعض الحلول والمقترحات التي ترفع من زيادة طلب المجتمع على الاستشارات النفسية والاجتماعية والتي منها الاستشارات الزوجية والأسرية.

المقال:
بعض أصحاب المشكلات، يعانون من وطأة وضغوط المشكلات النفسية والاجتماعية، والبعض منهم لديهم أسرارًا لا يرغبون في إطلاع الأهل أو الزوج عليها، لذلك لا يراجعون العيادات النفسية والاجتماعية.

والبعض من أصحاب المشكلات لا يعلمون أن مرافق المريض ليس من حقه دخول العيادة مع المريض النفسي أو من يواجه مشكلات اجتماعية وذلك لدواعي الخصوصية التي لا يرغب أن يعرفها أحدٌ من أهله، فهو يرغب في حل مشكلته بكل سرية.

علمًا أن العيادات النفسية والاجتماعية كغيرها من العيادات لا يوجد بها خلوة مع الأخصائي أو الأخصائية لوجود الممرضة، وعند الحاجة للمرافق بعد موافقة المريضة أو المريض يمكن دخول المرافق مع المريض في العيادة بهدف المشاركة في العملية العلاجية.

وتكمن المشكلة عندما يبحث أصحاب المشكلات -سواءً كانوا ذكورًا أو إناثًا- في وسائل التواصل الاجتماعي عن المستشارين النفسيين والاجتماعيين، فقد يقعون في مستشارين وهميين يفسدون ولا يصلحون ويبتزون، وقد تتحول العلاقة إلى علاقة غير شريفة، كل ذلك يحصل بسبب أن المريض يرغب في حل مشكلته النفسية أو الاجتماعية بدون علم أهله،‏ لأنهم اصلًا لا يعلمون بمشكلة ابنتهم أو ابنهم أو غير مستوعبين مدى الضغط النفسي السيء الذي يمرون به.

لذلك تجد بعض هؤلاء من أصحاب المشكلات وخاصة القُصّر منهم ذكورًا أو إناثًا الذين لا زالوا تابعين لأولياء أمورهم ، أولا لا يستطيعون مراجعة العيادات بدون مرافقة ولي أمره أو والدته أو على الأقل فرداً من الأسرة والأمر الآخر أنهم لا يتجرؤون في مصارحة أولياء أمورهم ولا أحدٍ من أفراد الأسرة لخصوصية المشكلة، لذلك يسلكون طريق الاستشارات الوهمية الإلكترونية المجانية لطلب الحل السريع من غير المختصين، لأن المريض يفضل الحلول الفورية والعلاج السلوكي والجلسات العلاجية بدون استخدام الأدوية النفسية، وقد يكون له ذلك ولكن بعد إجراء التقييم النفسي والاجتماعي له ومن ثم تحديد العلاج السلوكي أو الدوائي المناسب له ، ولكن البعض من المرضى لديهم عقدة أزلية من الأدوية النفسية، وهي أنها تسبب الإدمان عليها، رغم أن هذه الفكرة غير صحيحة، فهناك أنواعًا متعددة من الأدوية النفسية يمكن التبديل فيما بينها واختيار المناسب منها للمريض بعد استشارة الطبيب النفسي، والاستخدام الخاطيء لتلك الأدوية دون اتباع ارشادات الطبيب النفسي قد تؤدي للإدمان، والأدوية النفسية مكملة لعلاج بعض الحالات وضرورية، وبعض الحالات قد لا تحتاج إلى الأدوية، ويتقرر ذلك بعد تقييم الحالة النفسية، لمعرفة مدى الحاجة للأدوية النفسية.

ان الأفضل تقديم الاستشارة حضورياً مع أخصائي أو أخصائية في العيادة، أو من خلال العيادة النفسية والاجتماعية الافتراضية في المستشفى الحكومي أو بواسطة إحدى تطبيقات الاستشارات النفسية والاجتماعية الربحية، إذا كانت ظروف المريض لا تسمح بالحضور العيادي بسبب البعد المكاني بين مكان إقامة صاحب المشكلة وبين عيادة الأخصائي أو لأن الأول لا يستطيع مصارحة أسرته بمشاكله النفسية والاجتماعية الخاصة ورغبته في مراجعة مختص نفسي أو أسري على انفراد، حتى لا يطلع أفراد أسرته على أسراره التي قد توقعه في حرج وفي مشاكل معهم، لذلك يفضل استخدام العيادة الافتراضية (عن بعد) بعيدًا عن أعين أسرته أو أسرتها، ولكن لعل الفائدة العلاجية في العيادة الافتراضية تكون أقل من العيادة الحضورية، ومن العيوب أن البعض لا يقدر على سداد الرسوم المالية المستحقة على الاستشارة في التطبيقات الالكترونية.

وبسبب جهل صاحب المشكلة بحقوقه ومنها الانفراد مع الأخصائي أو الأخصائية في العيادة بدون مرافق لطرح مشاكله دون رقيب أسري، لذلك يقبع تحت الضغط النفسي، وللمعلومية التي قد يجهلها المريض وأسرته أن طرح مشكلته بكل تفاصيلها في العيادة يساعد الأخصائي في تشخيص الحالة، ولكن بعض المرضى لا يطرحون المعلومات الخصوصية على الأخصائي خوفاً من انتهاك السرية، رغم أن مبدأ المحافظة على السرية والخصوصية مبدأ أساسي يلتزم به الأخصائيين، ولا يفشون أسرار المرضى، لذلك تجد البعض منهم يحجم عن مراجعة تلك العيادات ويحبسون مشاكلهم النفسية والاجتماعية داخل أنفسهم، فتتفاقم وتتعقد مشاكلهم ويؤثر ذلك سلبياً على صحتهم وعلى نفسياتهم وعلى حياتهم.

لذلك أقول للأهل إن العيادات النفسية والاجتماعية مثلها مثل باقي العيادات الطبية الأخرى كعيادة الباطنة والجراحة مثلًا ، وأن نظام سرية جميع العيادات قائم على المحافظة على سرية المرضى فالمريض هو من يقرر مصيره ويقوم بتوقيع جميع الاجراءات الطبية وغير الطبية وليس أحدًا من أهله.

بل وتزداد السرية في العيادات النفسية والاجتماعية عن بقية العيادات الأخرى ، لحساسية المشاكل الشخصية ولكن بسبب جهل بعض المرضى والأسر بمبدأ السرية ، لا يراجع بعض المرضى تلك العيادات بمعية أحد أفراد أسرته، وذلك ليتكمن من طرح حالته كاملة عند الطبيب النفسي والأخصائي النفسي والأخصائي الاجتماعي منعًا للإحراج.

فكما أن طبيب النساء والولادة أو الجراح أو طبيب الجلدية يكشف على مناطق حساسة في جسد المريض أو المريضة ويسمح لهم المريض فقط ولا يكشف تلك المناطق الحساسة لأهله، مثله أيضاً المريض النفسي أو من تعاني أو يعاني من مشكلة زوجية أو أسرية أو اجتماعية يكشف أسراره فقط للمختص النفسي أو الاجتماعي فقط و يتحرج من كشفها حتى لأقرب أفراد أسرته، وذلك من حقوق المرضى.

من أجل ذلك يوصي المختصون أهل المريض تقدير حالته النفسية والاجتماعية والوقوف بجانب صاحب المشكلة دعمًا له، ومرافقته الى المستشفى أو بدون، وعدم التدخل في خصوصياته ولا الضغط عليه أو عليها لمعرفة المشكلة إلا بموافقة المريض، فإن ذلك أفضل من ترك المريض تحت طائلة الضغوط النفسية والاجتماعية، التي قد تدمر حياته، ولأن الكبت والضغط النفسي يولدان الانفجار .

مستشار أسري- ماجستير في الخدمة الاجتماعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى