المقالات

جدتي المُطلّقة

** أبدأ بسؤال صاعق ..
هل سبق لكم أن شهدتم أو سمعتم بحالة من حالات (طلاق – الجدات) ؟ ..
وأكثر من ذلك هل كنتم تتصورون أن يحدث ذلك ؟ ..
سيدة في خريف العمر، وقد صارت مطلقة ..
نعم الطلاق يحدث هنا وهناك، ويقع بين أزواج حديثي الاقتران، وأيضًا بين من هم في منتصف العمر … ولكن أن يحدث بين كهلين كبيرين؛ فهذه قمة الغرابة، وذروة الدهشة.
.
** ما نعرفه وما نشأنا عليه في مجتمعنا، أن الجدات يكن في مكان الحفاوة العليا في حياتنا، وفي مركز الصدارة من العائلة حسيًا ومعنويًا، اعترافًا بفضلهن بعد الله في بناء واستقرار النسيج الاجتماعي للأسرة، فهن عادة مستودع أسرار البيت، ومركز الأمان الذي يحفظه من الاهتزاز، وهن رائحة الماضي بكل عبقه الجميل، وهن بهجة الحاضر، ومعهن وبهن يقر المجلس ويطيب الحديث، وعلى إيقاع لمساتهن الحانية على رؤوس صغارنا ينشأ الحنان، ويورق الدفء العائلي.
.
** لكن .. ولأن الزمن يأبى إلا أن يكفهر .. نتيجة نزق عدد من الناس في خلط أوراقه وبعثرة نسقه .. فإنه حينئذ يمكن أن تنشأ على ضفافه الحوادث الغريبة، وتقوم الوقائع العجيبة، فتكون الأيام غير الأيام التي ألفناها، ومن ذلك أن يقوم الجد بتطليق زوجته – الجدة، في نهاية دراماتيكية مذهلة لمسيرة حياتهما، وفي لحظة زمن عاصفة، تجعل هذه الجدة المسكينة أو تلك، تختتم حياتها الطويلة، وكل كفاحها فوق صفحة الحياة الشاقة، بأن تصبح عجوزًا – بدرجة مطلقة.
.
** في تقديري ليس ثمة أسى أكثر من هذا الأسى، ففوق ما للطلاق من أذى نفسي على المرأة المتزوجة وهي شابة، فإن هذا الأذى يكون مضاعفًا على نفس امرأة عجوز صارت جدة، وتظل واقعة الطلاق في هذا السن انكسارًا حقيقيًا لنفسها، وقضاء على ما بقي في داخلها من حياة، بحيث تتحول إلى هيكل آدمي، يتجرع غصة نكران الجميل، وجحود العشرة، وتداعي ما بقي من روح الإنسانية.
.
** أقول ما تقدم عطفًا على ما قرأته – وأنا في حالة ذهول في مجلة (تسامح) التي تصدرها لجنة إصلاح ذات البين بمنطقة مكة المكرمة، في أحد أعدادها، عندما نشرت تحقيقا صحفيًا مثيرًا، عن طلاق الجدات، التقت خلاله بعدد من السيدات كبيرات السن اللواتي وقع بحقهن الطلاق.

.
** للوهلة الأولى وأنا أتصفح ما كتبته مجلة (تسامح) لم تصدق عيناي ما أقرأ، لولا ثقتي في المجلة، وفي أركانها الأكفاء القائمين عليها، كمطبوعة حققت السبق في مجال الدعوة إلى التسامح .. ووجدت حقيقة أن غصة تعتمل في حلقي، ومعها سؤال ساخن وحائر .. لماذا يحدث ذلك ؟ .. وكيف هانت العشرة لدى عدد من إخواننا – أقصد أجدادنا ؟ .. وقد كان بالإمكان أفضل مما كان.
.
** نحن نفهم أن الخلاف والاختلاف بين الزوج والزوجة يحدث، ونعرف بدهيًا أن ذلك قد يكون في بداية رحلة الزوجية، وقد يحدث حتى بعد عقد من الزمن، وقد يتم احتواؤه، فيسير المركب إلى شاطئ الأمان أو يحدث الانفصال … لكن الذي لا نفهمه أن زوجًا وزوجة يعيشان على (الحلوة والمرة) عقودًا من الزمن فيعرف كل منهما الآخر تمام المعرفة، ويفهم شخصيته واتجاهاته ورغباته، ثم عندما يصلان إلى خريف العمر يختلفان خلافًا لا حل له إلا الطلاق، فإن هذا من عجائب هذا الزمان، ومما لا يليق ولا يصح، حتى من قبيل الشيم والمروءة.
.
** يا أيها الأخوة …. دعونا في هذا المجتمع الإيماني المبارك الذي نعيش في كنفه، دعونا نكون نموذجًا للأمم بما وهبنا الله تعالى من معطيات كريمة، بحيث نتعايش كأزواج وزوجات مع بعضنا بسلام ورحمة ووئام، وليحتمل كل منا زلة شريكه، فان هذا من روعة الخلق، وجمال الطبع.
ولتكن رؤيتنا أعمق وتقديرنا للعواقب أشمل، ولنحذر أن تعصف ببيوتنا لحظة طيش مجنونة .. فتحطم قواعدها … ثم يخرُّ علينا السقف من فوقنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى