المقالات

الثروةُ الحيوانية في المملكة كنزٌ مجهول

يُواجه القطاع الحيواني اليوم الكثير من التحديات، من توفير الأعلاف ومجابهة الأمراض الوبائية، ومع تفاقم مشاكل التغيير المناخي، والاحتباس الحراري، ومخاطر توريد سلاسل الغذاء، والتقلبات الجيوسياسية، وزيادة الطلب على المنتجات الحيوانية، ومن أجل التصدي لتلك التحديات من خلال البحوث العلمية، وباستخدام أحدث التقنيات والتحليلات والبرامج والتقنيات الجديدة، لتطوير هذا القطاع، والنهوض به، في سبيل تنمية هذا القطاع الحيوي، لتحقيق الاكتفاء الذاتي، والوصول إلى الأمن الغذائي المنشود، والحدِّ من الاستيراد.
حيث تعتبر الثورة الحيوانية لدي المجتمع السعودي شيئًا أصيلًا وأساسيًا ومرتبطًا بتاريخ وتراث هذا البلد الأمين، وبطبيعة هذه الأرض الـمُباركة من قديم الزمن، وبحسب آخر إحصائيات لعام 2021 يقدر عدد الحيوانات في المملكة، بما يزيد على واحد وثلاثين مليون كائن حيواني حيّ، حيث تتوزع نسب الحيوانات والدواجن على النحو التالي من المجموع الكلي: 56.4 في المائة من الضأن، 19.6 في المائة من الماعز، 1.15 في المائة من الأبقار، 4.5 في المائة من الإبل، في حين بلغت نسبة الدواجن والأرانب 18.35 في المائة.
هذه الأعداد المهولة تتطلب جُهدًا جَبارًا في سبيلِ توفير غذائها، والحفاظ على صحتها، وحسن إدارتها، وتوزيعها وتربيتها وإكثارها، وتحسين إنتاجها، ومن هذا المنطلق هناك دول كثيرة شعرت بهذه المسؤولية الكبيرة وبأهمية هذا القطاع الحيوي، فجعلت للثروة الحيوانية وزارة مُستقلة بعدتها وعتادها؛ لترعي جميع شؤون الثروة الحيوانية المتعددة.
ومن هذا المنطلق يجب أن يكون التوجه في هذا المسار، فواحد وثلاثين مليون من الكائنات الحية، تُعتبر مصدرًا للحوم الحمراء والبيضاء، مصدرًا للحليب ومشتقاته المتعددة؛ (اللبن الرائب، الزبادي، الزبدة، القشدة، السمن والجبن) ومصدرًا للبيض، ومصدرًا للمنتجات الثانوية؛ كالجلود والريش والصوف والشعر، والجلاتين ومولدات الطاقة الحيوية، ومخصبات التربة. كائنات حيّة لها فوائد جمَّةٌ لا يمكن الاستغناء عنها، غذائيًا وبيئيًا واقتصاديًا، خاصة مع ارتفاع مُعدل الدخل، واعتماد الغالبية العُظمى على توفير البروتين من منتجاتها بشكل يومي.
الثروة الحيوانية تعتبر بنكًا احتياطيًا لكل مربٍّ، في حال الأزمات وتوفير الاحتياجات، الثروة الحيوانية مصدر فخر لكل مهتم، الثروة الحيوانية حياة جديدة ملؤها حب وشغف ومغامرة وتضحية وإيثار ووفاء بين المربي والحيوان.
الثروة الحيوانية قد تكون مصدر دخل قومي بديلًا بلا منازع لهذا البلد، وتوفير مليارات الدولارات، عند تحسينها وحسن إدارتها، لنحقق الاكتفاء الذاتي في سبيل تحقيق الأمن الغذائي، والحدِّ من مخاطر الاستيراد.
الثروة الحيوانية من منظور ديني، لها علاقة بشعائر ديننا الإسلامي الحنيف، ففي كل عيد أضحى، يجب على كل مُقتدرٍ وعلى كل حاج بالذبح، ففي آخر إحصائيات مُتوفرة أن أكثر من ثلاثة ملايين رأس ذُبحت فقط في عيد الأضحى بنسبة 10 في المائة من العدد الإجمالي.
من هذا المنطلق يجب أن تتوجه الدولة بكافة مؤسساتها للسعي في هذا المضمار، لمعالجة كل معوقات تنمية هذا القطاع الحيوي (قطاع الثروة الحيوانية)، وعلى رأس تلك الأوليات هو البحث عن سبل جديدة لتوفير الأعلاف الحيوانية، بشكل مستدام ورخيص وصحي للحيوانات، وعن برامج حقيقية تُسند للعلماء والخبراء في التحسين والتربية والإكثار. كما يجب دعم وتشجيع المربين وتوفير سبل الرعاية والصحة البيطرية، ضمن شروط ومعايير يجب تحقيقها، للحصول على هذا الدعم، مع فرض وتطبيق برامج الأمن الحيوي على كافة المشاريع والمنشآت الحيوانية، في سبيل الحفاظ على الثروة الحيوانية؛ وخاصة مع تلك الحيوانات الأصيلة التي أصبحت جزءًا من هذا البلد عبر مئات السنين وعاشت وتأقلمت مع ظروفها البيئية والغذائية. كما يجب أن يُلزم جميع المزارع والمُنْشَآت الحيوانية بضرورة وجود مُهندس إنتاج حيواني، لكل مُنشأة كفرض أساسي، يُشرف على كافة العمليات، مع تدريب هؤلاء المهندسين بشكل دوري على أحدث الطرق في الإدارة والتربية والرعاية والتغذية والتناسل والتحسين.
إن تحسين القطاع الحيواني والسعي لتحقيق الاستدامة وزيادة مساهمته في الناتج المحلي والدخل القومي، يتطلب تضافر الجهود من كافة الجهات، لتطوير هذا القطاع، والنهوض به، وحسن استغلال قدراته، ضمن الرؤية المباركة 2030 التي تسعى إلى تحقيق الأمن الغذائي، كأمن قومي لا يمكن التهاون به، وكذلك الاستفادة من الصناعات المرتبطة به كصناعة الأعلاف الحيوانية والداجنة، وصناعة اللقاحات والأدوية البيطرية، وصناعة المعدات والأدوات، وصناعة مواد البناء والإنشاءات الخاصة بإنشاء الحظائر والمزارع الحيوانية والداجنة. بالإضافة للصناعات المرتبطة بالمنتجات الثانوية للحيوانات كدباغة الجلود، وتصنيع الجلاتين، والصوف، فضلًا عن الصناعات المرتبطة بالمنتجات الرئيسية للحيوانات، وتحفيز إنتاج الغاز الحيوي، لسلامة المدن، مع الاستفادة من تصنيع الأسمدة العضوية الطبيعية.
كما يجب إرساء مبدأ سهولة تبادل البيانات والخبرات والمعارف بين كافة القطاعات، وتشجيع البحوث والإرشاد والتوعية في القطاع الحيواني بكافة أنواعه، ودعم المؤسسات والمراكز البحثية والجامعية، وإلزام القطاع الخاص بالسعي في التحسين ودعم الأبحاث الموجهة، لتحسين الكفاءة التحويلية للأعلاف، ورفع نسبة الخصوبة، ومعدل التناسل، والاهتمام بالسلالات المحلية، وتعزيز مبدأ التحسين الوراثي بالاستفادة من التقنيات الجينية، والاهتمام بالصحة البيطرية.
وعمومًا يجب الإيمان بأن القطاع الحيواني أحد الركائز الأساسية في تحقيق الأمن الغذائي، والنهوض به يمثل نقلة نوعية في أي بلد لتعزيز الناتج المحلي، ومن هذا المنطلق يجب عمل كيان سيادي يُليق بحجم هذا القطاع، ويجب تشجيع كافة الـمُنشآت الحيوانية، وتوفير الدراسات الفنية والاقتصادية، وتشجيع البحوث العلمية، وإدخال التقنيات الحديثة، ومواكبة التطورات في كافة مناحي هذا القطاع، وتفعيل برامج التوعية والإرشاد الحيواني، وتدريب المهندسين والمربين، الذي سيسهم مما لا شك فيه، في رفع الكفاءة الإنتاجية والاقتصادية والربحية، وتحسين الأداء العام للحيوانات، ومجابهة الأوبئة على حدٍ سواء.

*طالب دكتوراة – كلية علوم الأغذية والزراعة
* جامعة الملك سعود

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى