إيوان مكة

مذكرات قلب مثقوب .. جدتي وموسم الهجرة إلى الجنوب.. (٢-٢ )

لقد كان موسم هجرة الجدة من المدينة إلى الجنوب حزينًا وقاسيًا ومبكيًا لنا جميعًا حتى أمي التي لم تكن على وفاقٍ دائم معها لكنها شعرت معنا بما يُشبه نزع البركة من بيتنا بعد مرض جدتي ورغبتها الهجرة والسفر إلى الجنوب.. لقد كان جميع من في البيت بين باكٍ وحزين ومحاولاتٍ يائسة؛ لثنيها عن قرار الرحلة إلا أنها كانت مصمِّمةً على الموت في القرية والدفن جوار الآباء والأجداد، وهي خصلة عربية قديمة: الاعتزار بالآباء والأجداد ذكرها الله في القرآن غير مرة كما في سورة الزخرف (قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ).
وفعلًا رحَلتِ الجدَّة إلى غير رجعة، وخلال سنتين تقريبًا كانت فاجعةُ وفاتها تعصف ليس بأرجاء المنزل، ولكنها عصفت بقرى الجنوب التي كانت تعرف رفيعة بنت علي بن ساعد الغامدي.
كان مشهدُ عزاءِ الجدَّة مشهدًا مهيبًا، حضره ألوف من القُرى المجاورة فعائلة الغريسي أسرة مشهورة بالدين والعلم والشعر، وكانت جدتي من رواة الشعر ومعروفةً في القُرى المجاورة وغير المجاورة. كانت امرأة كريمة متدينة على الفطرة وقوية الشخصية غايةً في الذكاء لدرجة العبقرية، تحفظ آلاف الأبيات، وإذا حضرت أي عرسٍ وزفاف يجتمع فيه شعراءُ وشاعراتُ الجنوب؛ فإنها تحفظ الشعر منهم لأول مرة وترويه من بعد ذلك لأبنائها، رحم الله رفيعة بنت علي بن ساعد الغامدية، وأسكنها فسيح جناته. آمين.
رؤيا
رأيتها في رؤيا تقول لي:
_ فين رحتم ؟؟
_ أنتِ فين رحتي.
_ أنا الآن انتهيت من السؤال عن لا إله إلا الله ؟! وذلك بعد مرور شهر على وفاتها. وسألتني أسئلة منها عن مولود لا أعرفه؛ فسألت والدي قال كانت مهتمة بفتاة قريبة لها، وكانت حاملًا تنتظر الوضع، وتوفيت الجدة قبل الولادة.
وفي رؤيا أخرى قلت لها: أنتِ في غرفة الجنة قالت:
_ غرف كثيرة مو غرفة واحدة.
فتذكرت قوله تعالى: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) (سبأ: 37).
(لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ ۖ وَعْدَ ٱللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ)(الزمر: 20)، وهنا ينتهي موسم الهجرة إلى الجنوب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى