المقالات

سمو ولي العهد وتمكين المرأة السعودية لتعيش عصرها الذهبي

إن كان في حياة الشعوب والأمم أيامًا مشهودة وتواريخ فاصلة، وإن خلَّد التاريخ أعمالاً تركت أثرًا كبيرًا في حياة قطاعات من الناس، فسيبقى يوم الحادي والعشرين من مايو 2023م يومًا تاريخيًّا وعلامة فارقة في مسيرة المرأة السعوديَّة؛ فهو اليوم الذي انضمَّت فيه “ريانة برناوي” إلى طاقم الرحلة الفضائية المتجهة نحو المحطة الفضائية (إيه إكس- 2) انطلاقًا من الولايات المتحدة الأمريكية، بوصفها أوّل رائدة فضاء سعودية وعربية ومسلمة.
ولم يكن لهذا الإنجاز أن يتحقَّق إلَّا في وجود قائد واعٍ، يؤمن بحقوق المرأة عمومًا والمرأة السعودية بصفة خاصة، ويعلم جيدًا الظروف التي تحيا في ظلها المرأة السعودية، وهو في الوقت ذاته على دراية كاملة بقدراتها، كما يؤمن بدورها في صناعة نهضة الوطن وتنفيذ رؤياه، لذلك وضح إصراره -من البداية- على إعطائها الفرصة الكاملة لتحقِّق ذاتها، وتحتل المكانة العالية التي رأى أنها تستحقها، باعتبارها “نصف المجتمع” حقيقةً وواقعًا لا شعارات تلوكها الألسنة.
ذلك القائد – كما لا يخفى على أحد- هو صاحب السُّمُوِّ الملكي الأمير «محمد بن سلمان» وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء، وصاحب «رؤية 2030» التي بدأها في أبريل 2016م، ذلك المشروع العبقريُّ الطَّموح، الذي جاء «تمكين المرأة» كأحد أهمِّ أركانه، حيث يتبنَّاه سُمُوُّه بكلِّ ثقة وقوَّة وإيمان.
ولم يكن الطموح “لتمكين المرأة السعودية” حتى وصلت إلى “الفضاء” مع ريانة برناوي إلّا نتاجًا لإجراءات، وحصادًا لقفزات عملاقة “على الأرض”، ولم يكن مجرد أمنيات، بل هو ترجمة فعلية للمقولة العبقرية التي أدلى بها سموِّ وليِّ العهد، في الحوار الذي أجراه مع مجلة (ذا أتلانتيك) الأميركية عام 2018م، حين قال: “أنا أدعم المملكة العربية السعوديَّة، ونصف المملكة العربيّة السعوديّة من النساء؛ لذا أنا أدعم النساء”.
وحين نحاول أن نرصد ما حقَّقته المرأة -في ظل الدعم اللا محدود من سموِّ وليِّ العهد- من قفزات لامست السحاب فلن تكفينا مئات الصفحات؛ خاصة وأن كل خطوة في ذلك التمكين تستحق الكثير من الصفحات لتوضيحها وبيان حَالَيْ المرأة السعودية قبلها وبعدها، ولكنها المحاولة لتلخيص تلك القفزات -ما وسعنا الجهد-.

المجال الاجتماعي
كان لجهود سموِّ وليِّ العهد – برؤية مستقبلية- دورها البارز في صدور الأمر الملكيِّ الكريم الذي مكّن المرأة من الخدمات دون (موافقة الوليّ)، الذي كان سندًا نظاميًّا في كلِّ الجهات الرسميَّة، مالم يكن هناك سند نظاميّ وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، وذلك حرصاً على إعطاء المرأة السعودية كافة حقوقها ورفعاً لأيِّ ضرر من الممكن أن تتعرض له.
وفي إطار دعم صندوق النفقة للمطلّقات، بات بوسع المطلّقات وأبنائهن الحصول على مساندة مباشرة من صندوق النفقة، وذلك لمن صدرت لهن أحكام قضائية لم تُنفَّذ (لغير عذر الإعسار) على نفقة من الصندوق، كما تحصل على النفقة مَنْ صدرت لهنَّ أوامر قضائية ولا تزال مطالبتهن بها منظورة أمام المحاكم، كما توسَّع الصندوق أيضًا ليدعم المستفيدات قبل صدور أحكام النفقة بصرف نفقة مؤقَّتة لهنّ، تُستردُّ من المبالغ المستحقَّة لهنّ بموجب حكم النفقة.
كما تمَّ -أيضًا- ضبط زواج القاصرات، وذلك بقصر الإذن بتزويج من هي في سن السابعة عشرة فما دون على المحكمة المختصَّة، وأن يكون طلب التزويج مقدماً من الفتاة أو وليها الشرعي في النكاح أو والدتها.
ومن ناحية أخرى، تم أخذ الإجراءات اللازمة من أجل إعداد مشروع نظام لمكافحة التحرش، واستكمال ما يلزم في هذا السياق حمايةً للمرأة من هذه الظاهرة الغريبة على المجتمع.
كذلك، تضمَّنت القرارات المناصرة للمرأة، حماية خرّيجات قسم القانون، بعد أن استغلَّ بعض المحامين حاجة المرأة للتدريب لتتمكَّن من ممارسة المحاماة، فقد أقرت وزارة العدل دبلوم المحاماة الذي يستمر 3 سنوات وينتهي بمنح المتدرِّب أو المتدرِّبة رخصة مزاولة المحاماة، كون البرامج التي يقدمها بعض المحامين غير مرتبطة بمنهجية علمية أو تدريب احترافي.
ولن ننسى -أيضًا- صدور الأمر السامي بالسماح بإصدار رخص قيادة للنساء ابتداءً من 24 يونيو 2018م، واعتماد تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذيَّة بما فيها إصدار رخص القيادة على الذكور والإناث على حدٍّ سواء، وبذلك حقَّق الأمير محمد بن سلمان وعده للنساء بقيادة السيارات.

المجال الاقتصادي
وفي هذا المجال، أبدى سمو ولي العهد اهتماماً شديداً بتأنيث الوظائف لإتاحة أكبر قدر ممكن من الفرص للنساء للمشاركة في سوق العمل، فأصدرت وزارة العمل 12 قراراً لتنظيم عمل المرأة في إطار 5 برامج للتوظيف شملت: (برامج التوظيف المباشر- برنامج تنظيم عمل المرأة في محلات بيع المستلزمات النسائية – برنامج سعودة وتأنيث الوظائف الصناعية المناسبة – برامج تطوير آليات التوظيف الذي يضمّ: برنامج العمل عن بعد، وبرنامج العمل الجزئيّ، وبرنامج الأسر المنتجة)، وهو ما ألقى بظلاله على معدَّل توظيف المواطنات الذي حقق ( 76.08%) مقارنة بالوافدات في القطاع الخاصّ (23.92%).
وهنا تجدر الإشارة إلى القرار التاريخي بتعيين الدكتورة «تماضر بنت يوسف الرماح» نائبًا لوزير العمل والتنمية الاجتماعية (للتنمية الاجتماعية) بالمرتبة الممتازة.
وابتداءً من عام 2017م، تصدَّرت النساء الأخبار الاقتصادية، بعد توليهنّ مناصب قيادية تُمنح للمرأة السعودية لأول مرة، حيث تولَّت «سارة السحيمي» رئاسة مجلس أقوى هيئة تنظيمية للسوق المالية في السعودية وخارجها (تداول) لمدة 3 سنوات. كما تمَّ تعيين «رانيا محمود نشار» رئيسًا تنفيذيًّا لمجموعة سامبا المالية. فيما قام البنك العربي الوطني السعودي بتعيين «لطيفة حمود السبهان» مديرًا ماليًّا للبنك.
كذلك، شكَّل مجلس الغُرَف السعودية أوَّل لجنة وطنية متخصِّصة في الإحصاء على مستوى المملكة برئاسة «خلود بنت عبد العزيز الدخيل»، وتعدُّ اللجنة الأولى من نوعها في الإحصاء على مستوى السعودية، ويتمثَّل دورها في تنظيم العلاقة بين الهيئة العامة للإحصاء وبين الجهات العامَّة ذات العلاقة والقطاع الخاصّ، وزيادة التنسيق فيما بينها في مجال الإحصاء والمعلومات.
وبدعمٍ من سموِّ وليِّ العهد وانطلاقًا من تحقيق هدف «تمكين المرأة» من ممارسة العمل الحرّ وامتلاك المشاريع الصغيرة، جاء تعيين كلٍّ من: صاحبة السمو الملكي الأميرة «البندري بنت عبد الرحمن بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود» (المدير العامُّ لمؤسّسة الملك خالد الخيرية)، وصاحبة السمو الملكي الأميرة «مضاوي بنت مساعد بن عبد العزيز آل سعود» (رئيس مجلس إدارة صندوق ديم المناهل) في مجلس إدارة الصندوق الخيري الاجتماعي.. وهو مؤسسة خيرية تنموية لتشجيع (الإنماء الاجتماعي).
ومن ناحية أخرى، تم تعيين أ. «لبنى سليمان العليان» رئيسًا لمجلس إدارة بنك “ساب الأول” لتكون بذلك أوّل رئيسة بنك في تاريخ المملكة.
وفي أبريل 2021م، تمَّ تعيين د. «إيمان بنت هياس المطيري» في منصب نائب وزير التجارة بالمرتبة الممتازة.

مجال التعليم
بعد صدر قرار تعيين البروفيسورة «دلال محي الدين نمنقاني» عميدة لكلية الطب في جامعة الطائف، أصبحت بذلك أوّل أكاديمية سعودية تتولى منصب عميدة لكلية في جامعة حكومية سعودية، تضم أعضاءً في هيئة التدريس وطلابًا من الجنسين.
وفي يوليو 2020م، تم تعيين د.« ليلك الصفدي» رئيسًا للجامعة الإلكترونية كأوّل إمرأة تترأَّس جامعة سعودية تضمُّ طلابًا من الجنسين.
وفيما يتعلَّق ببرنامج الملك للابتعاث الخارجىّ إلى أكبر وأهمِّ الجامعات الأجنبية المعروفة، حقَّقت المرأة السعودية نجاحات كبيرة، حيث ارتفعت أعداد الإناث الدارسات فى الخارج من 4000 مبتعثة إلى 27500 مبتعثة.

المجال العسكري
للمرة الأولى، ظهر دور المرأة السعودية في المجال العسكري حيث شاركت (30) امرأة عسكرية يعملن في السجون في تدريبات لاستخدام القوة البدنية والرماية باستخدام الأسلحة النارية. كما توسَّعت وزارة الداخلية، في استخدام المرأة للعمل بالجوازات والمطارات ومراكز أمن الطرق.
فيما أعلن الأمن العام السعودي في أكتوبر 2022م عن الانتهاء من تأهيل (148) متدرِّبة من المجنَّدات برتبة جندي، والتحاقهنّ بالعمل الأمني في القوّات الخاصّة بأمن الحجِّ والعمرة ابتداءً من شهر رمضان 1442هـ.

المجال الرياضيّ
في عام 2016م، تمَّ تعيين صاحبة السمو الملكي الأميرة «ريما بنت بندر بن سلطان آل سعود» على وظيفة (وكيل الرئيس للقسم النسائيّ) بالهيئة العامة للرياضة بالمرتبة الخامسة عشر، الأمر الذي فتح آفاقًا كبيرة للمرأة السعودية لممارسة النشاط الرياضي حسب القواعد المتَّبعة في المملكة، و للمضيِّ في إنشاء أندية نسائية قادرة على المنافسة في المحافل الدولية. وأعقب ذلك تعيين الأميرة «ريما بنت بندر» رئيسًا للاتحاد السعودي للرياضة المجتمعية.
ويكمل ما سبق، صدور قرار السماح للعائلات بدخول الملاعب وتهيئة (3) ملاعب لاستقبال العائلات وهو ما سمح للمرأة بدخول الملاعب وفق القواعد المرعية بالمملكة، بعد أن كان دخول الملاعب حكرًا على الرجال.
وقد انعكست تلك التطوُّرات الإيجابيَّة على النشاط الرياضيّ النسائيّ بالمملكة في دورة الألعاب الآسيوية بجاكرتا (إندونيسيا) في الفترة ما بين (18 أغسطس – 2 سبتمير 2018م) إذ كان الحدث الرياضي النسائيّ الأبرز والغير مسبوق بوجود تمثيل نسائيّ سعوديّ لأول مرة في التاريخ حيث شاركت (7) رياضيَّات سعوديات يمثلن المملكة في منافسات (3) رياضات مختلفة ( ألعاب القوى – تنس الريشة – التايكوندو).

المجال الدبلوماسي
في أبريل 2019م، تمَّ تعيين الأميرة «ريما بنت بندر آل سعود» سفيرة للمملكة في واشنطن، لتكون بذلك أوَّل امرأة تتولَّي منصب سفير في تاريخ الدبلوماسية السعودية.
وفي أكتوبر 2020م، تمَّ تعيين أ. «آمال يحيي المعلمي» سفيرة للمملكة في النرويج، لتكون ثاني سفيرة في تاريخ المملكة.
أما في أبريل 2021م، فقد تمَّ تعيين ثالث سفيرة في تاريخ المملكة، وهي أ. «إيناس بنت أحمد الشهوان» سفيرة المملكة في السويد.
وأخيراً.. فإنَّ ما سبق مجرَّد “غيض من فيض”، وما زالت قائمة إنجازات المرأة السعودية عامرة في ظل رعاية سموِّ وليِّ العهد الأمير «محمد بن سلمان» وقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظهما الله-.

-رئيسة تحرير مجلة “مملكة الاقتصاد والأعمال”

د. شريفة العيافي

رئيسة تحرير مجلة "مملكة الاقتصاد والأعمال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى