إن معارض الكتاب التي تُقام بين الحين والآخر وفي مواقع ومدن متعددة، من المفترض أنها تُشكل ميزة وفرصة ثقافية وعلمية في كل بلدان العالم، كونها تُعد ساحة تجمع آلاف الكتّاب والكتب والمؤلفات تحت قبة واحدة، وتُتيح للقارئ الاطلاع عليها وانتقاء ما يفيده وما يتناسب مع ميوله القرائية، فالرحلة لمعرض الكتاب هي أشبه ما تكون برحلة حول العالم، فهو كالواحة التي يستظل بها القارئ من هجير عام كامل، ويمكن له أن يقتطف من كل كتاب معلومة ومن كل ثقافة طبع، وأن يشبع نهمه ويوسع دائرة معرفته، وأن يلتقي بثقافات متعددة، فهي فرصة كبيرة للأشخاص للتعرف على معلومات وثقافات جديدة وحضور ندوات المثقفين والمبدعين المُصاحبة للمعرض، والتي لا تخلو من المعلومات المفيدة والأفكار الملهمة.
ولكن ما نُلاحظه في السنوات الأخيرة، أن معارض الكتاب لدينا تحوَّلت إلى ما يشبه المنتجعات أو الأماكن الترفيهية، تذهب إليها مع عائلتك وكأنك تقصد مكانًا للتسلية والترفيه فقط، إذ باتت هناك فعاليات مرافقة كالحفلات الغنائية والمسرحيات، مع توجيه الدعوات لشخصيات لا تربطهم بالكتاب ولا بالثقافة صلة، وتصويرهم كشخصيات مُهمة ومؤثرة.. وأصبح التركيز من قبل منظمي المعرض على تلك الفعاليات والدعوات والشخصيات، أكثر من تركيزهم على (الكتاب) الذي من المفترض أنه هو المنتج الرئيسي المُحتفى به !! وأصبحت تلك الفعاليات المصاحبة هي التي تستقطب أغلب الزوّار، ولم يعد (الكتاب) هو الهدف الأساسي لزيارة المعرض !! وفي المقابل نُلاحظ ضعف الفعاليات الثقافية المصاحبة والندوات الفكرية والأمسيات الشعرية، التي يفترض أنها صلب الموضوع، ناهيك عن تدني مستوى بعض الخدمات الأساسية في معظم الأحيان، وسوء تجهيزات الأركان والأجنحة المخصصة للكتب، في مقابل الاهتمام بأماكن الفعاليات الترفيهية والغنائية، مع وجود شريحة من الشباب والبنات في أروقة المعرض لا أظنهم قد جاءوا من أجل الكتاب؟ أضف إلى ذلك كثرة المطاعم والمقاهي والبوفيهات والوجبات السريعة التي تتصدّر الصالات الرئيسية، وكأن المعرض قد وجد من أجل تغذية البطون لا العقول !! والتي يفترض أن تكون خارج صالات المعرض أو في جانب منها على أقل تقدير.
لقد أصبحت ثقافة الاستعراض في المعرض والتسلية والترفيه وقضاء وقت الفراغ على حساب الكتاب، هي السائدة، وهنا لا نلقي بكل اللوم على الزوَّار ومرتادي المعرض، بقدر ما نلوم القائمين عليه والمنظمين والمشرفين – فمع الأسف – الملاحظ أن الهدف من المعرض أصبح هدفًا تسويقيًا تجاريًا، في حين أن المعرض قد قامت فكرته أساسًا على نشر الثقافة والعلم والمعرفة، فغدت أجواء المعارض تغلب عليها الأجواء التجارية والتسويقية، مع ضعف الأنشطة والبرامج الثقافية، مما شجع الحضور على الاتجاه إلى هذا المنحنى ! ودفع الكثير من عشّاق الكتب إلى العزوف عن حضور المعارض والاستعاضة عن ذلك بالذهاب للمكتبات العامة أو دور النشر، ما يؤكد أنه لا زال للكتاب الورقي عشاقه ومريدوه، رغم تغيّر صناعة الكتب التقليدية، وظهور الكتب الرقمية والسمعية.
فأتمنى من القائمين على معارض الكتاب والمشرفين على البرامج الثقافية فيها، العودة بمعرض الكتاب إلى مكانته الطبيعية التي أنشئ من أجلها، وإعادة النظر في الرؤية المستقبلية في البرامج الثقافية حتى تكون جاذبة ومتوافقة مع أهداف المعرض، والسعي إلى تحقيق الهدف الأسمى في تأسيس العقول وبناء المجتمعات.
0