لم تكتفِ بعض الإدارات الفاشلة بتقـتير الحوافز المادية والمعنوية على موظفيها بل ومنعها عن الكثير منهم، وحصرها على مجموعة معينة تدور رحاها حول المدير وحاشيته فقط، حتى استنزفت تلك الإدارة الفاسدة معظم مقدرات المؤسسة وبددت موازنتها بشتى الصور، فهي أيضًا لم تتورع عن التلاعب بحقوقهم التي كفلها لهم النظام، كما لم تعد تمتلك ذرة حياء تمنعها من ممارسة كثير من السلوكيات السلبية مع غالبية منسوبي المؤسسة من تعالٍ وغطرسة وتنمر وتهميشهم والتعامل معهم بغموض وضبابية، ليس فقط فيما يتعلق بخطط وأهداف وأنشطة المؤسسة؛ بل وصل الأمر إلى أن تتجاهلهم تمامًا في كافة الأمور حتى تلك المتعلقة بحقوقهم الشخصية ومستقبلهم الوظيفي، الأمر الذي جعل كثير من الموظفين يشعرون بغربة قاتلة داخل المؤسسة التي أمضوا فيها سنوات طويلة من أعمارهم. وحتى عند الضرورة التي يحتاج فيها أحدهم إلى مخاطبة أو مقابلة مدير المؤسسة أو أحد مساعديه؛ أصبح يشعر بأنه مثل أي شخص غريب قادم من خارج المؤسسة؛ بل ربما يشعر أنه في زيارة (لمتحف دولي أو معبد فرعوني!!) لا يستطيع أكثر من أن يلتقط لنفسه صورة أمام أحد التحف أو الموميات، أو يكتب اسمه في لوحة تذكارية. عندها يصبح لزامًا عليه أن يحمل بطاقة “زائر” لكي يميزه حراس المتحف عن باقي الضيوف، ولكن يجب عليه أن يدرك أن هذه البطاقة ليست سوى مجرد جواز مرور لمقابلة المدير؛ فلا يفرط في التفاؤل ويتصور أن مشكلته قد انتهت أو أوشكت على النهاية؛ فتلك البطاقة ليست سوى بداية مرحلة ترقيصه على خشبة مسرح الأكاذيب ورصيد وهمي في بنك المواعيد العرقوبية؛ حتى لا ينقل مشكلته إلى جهات أخرى خارج حدود المؤسسة؛ ومع مرور الوقت يصيبه الملل والإحباط ويتخلى عن قناعاته، ويعود خائبًا بخفي حنين. فلا بطاقة الزائر أفادته بشيء ولا مقابلة التمثال الأكبر في المتحف تحقق له منها أي شيء، وحتى وقوفه أمام الموميات المحيطة بذلك التمثال لا تقدم ولا تؤخر في شيء؛ فالهدف هو ضمان سكوته ثم نسيانه أو تناسيه لحقوقه ومستحقاته.
مستشار العظمة:
قبل أيام أرسل لي أحد الأصدقاء عبر خدمة الواتس أب مشهد للممثل السوري المبدع ياسر العظمة، والمشهد هو جزء من إحدى حلقات مسلسله الاجتماعي (المرايا) الذي ناقش فيه على مدار سنوات طويلة كثير من المشكلات في المجتمعات العربية؛ ويتناول المشهد قصة مدير حديث عهد بالمنصب يبحث عن حل لمشكلة العجز المالي الذي أصاب صندوق المؤسسة، فسأل المدير أحد مستشاريه: كيف المخرج من هذه المعضلة؟ فقال له المستشار: لا تقلق سعادة المدير فالأمر هين وأسهل مما تتصور؛ ما عليك سوى تنظيم حفلة. فتعجّب المدير قائلًا: تنظيم حفلة!! كيف؟ فتنظيم أي احتفال يحتاج إلى مصاريف كثيرة ونحن كما تعلم نُعاني من عجز مالي!! رد المستشار: هنا يكمن سر حل المشكلة، ما عليك سوى القيام بتنظيم حفلة لأية مناسبة تختارها، ثم اعمل على إضافة مصاريف عجز الصندوق إلى مصاريف الحفل؛ وبذلك يتم حل المشكلة. فضحك المدير وقال: أنت مستشار عبقري ووجودك في المؤسسة أكبر مكسب لها. ومن ذلك اليوم صار المدير كلما واجه عجزًا في الصندوق اخترع مناسبة جديدة وأقام لها حفلًا؟!! الحلقة قديمة ولا أدري لماذا خطر على بال صديقي أن يرسل لي هذا المشهد تحديدًا في هذه الأيام!! لكنني تساءلت في نفس الوقت: إذا كان المدير الفاسد غطى العجز المالي في الصندوق بتنظيم حفلة، فماذا يفعل المدير الفاسد الذي يكون لديه فائض في الصندوق؟! قال صديقي: أتوقع أن يقيم حفلات وينظم رحلات له ولحاشيته. فقلت له: إذًا ما على بقية العاملين وبخاصة أولئك الذين سُلبت حقوقهم المالية سوى ترديد أغنية:
صعاليك يا قلب العنا ××× صعاليك وش ذنبي أنا.
مع الاعتذار للكبيرين الأمير الشاعر محمد العبدالله الفيصل والفنان القدير طلاح مداح -يرحمهما الله-.
لدغة ختام:
احذر تسأل!! يقال إن أحد الموظفين كتب لمديره يسأله عن أسباب عدم ترقيته رغم أن كافة معايير وشروط المفاضلة تنطبق عليه أكثر من جميع زملائه الذين تم ترقيتهم. وفي وسط لهفة انتظاره الجواب؛ أرسل له المدير نموذج مسح أمني طالبًا منه تعبئته!! يا لطيف!! يقول الموظف: أجل كيف لو اشتكيته للوزير!!
• عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة.