ثمة صنف من الناس يدَّعي معرفة كل شيء، بل ويعتقد أنه يحسن الحديث في كل المجالات، فهو يظن أنه موسوعة في كل باب، فتجده يتحدث في السياسة وفي الاقتصاد، وفي سوق الأسهم وفي الموسيقى والرياضة؛ وكأنه ذلك المحلل أو المستشار الذي لا يشق له غبار، أما اذا كان الحديث في الطب؛ فلن يتورع بتشخيص مرضك ويصف لك الدواء، وأحيانًا يحاول أن يوجهك حتى في مجال عملك وتخصصك الأكاديمي، بل ويمكن أن يوجه لك نصائح في العلاقات الزوجية والتربية والمشكلات الاجتماعية، فهو باختصار يعرف كل شيء !!
إن الشخص الذي يتصف بهذه الصفة غالبًا ما يكون ضعيفًا أوغير مكتمل في المعرفة، فهو لا يترك مجالًا لمحاوره بالحديث، لكي لا يكشف له عدم معرفته، وقد يكون أصل هذه الظاهرة يعود إلى معاناته من نقص ما، أثناء طفولته، وبالتالي فهو يعوَّض ذلك النقص بادعاء المعرفة والتظاهر بها أمام الآخرين، أو قد يكون محتاجًا للاهتمام، ولديه احتياجات غير مشبعة تلح عليه بقوة، فيستخدم مهاراته الاستثنائية لإشباعها، وأيًا كانت الأسباب فإن الشخص الذي يتصف بهذه الصفة هو المتضرر الأول قبل أن يضر بالآخرين، فكثيرًا ما يتعرض إلى السخرية والانتقادات من قبل جلسائه والمحيطين به، بل وربما يحولونه إلى مادة للتندر والتسلية، رغم أن دوافعه قد تكون حسنة النية، فهو يرغب في تحقيق المنفعة لغيره، ويحب أن يكون ذا أثر طيب، ولكنه قد يؤذي نفسه ومن حوله بجهله وحديثه بغير علم.
وعلى الرغم من أن صاحب تلك الشخصية المدعية للمعرفة، قد يكون ذا حضور قوي، ويمتاز بخيال واسع ومهارات كلامية، وغالبًا ما يتمتع بخفة الظل وحس الفكاهة، وقد يمتلك مهارات إقناع ولديه القدرة على تغيير مسار الحديث، وتوجيه الدفة حيث يريد، فهو يُبادر دومًا لتقديم الرأي والنصح للآخرين من دون أن يطلب منه ذلك، لكنه في النهاية يهدر كل هذه المهارات والمواهب في استهلاكها بشكل خاطئ، عندما يتحدث فيما لا يعلم، ويسدي النصائح من دون خبرة، ويمزج الواقع بالخيال؛ ليفقد مصداقيته بين الناس.
وعليك أخي القارئ إذا ابتليت بإحدى هذه الشخصيات في مجلسك، أن تتحلَّى بالصبر وتتماسك في أعصابك وتحافظ على هدوئك التام، وتُثابر من أجل عرض وجهة نظرك، بعد أن تتحيَّن الوقت المناسب لمقاطعته في مواضع معينة، ولا تتردد في اللجوء إلى الإطراء والمديح في بعض الأحيان؛ لتصل إلى هدفك في مقاطعته، ولا تفكر أبدًا في الانتقام منه، فحتى لو لم تنجح في إثنائه عن ما هو عليه؛ فربما تأتيه الصدمة من غيرك.
وأخيرًا نصيحتي لهذا الشخص تتمثَّل في قول الله -عز وجل-: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء: 36).
