ترى هل هي بداية النهاية بالنسبة للأندية الأدبية، بعد أن أصبح الحديث مؤخرًا يتردد في الأوساط الثقافية بمحدودية الأثر الثقافي والاجتماعي لهذه الأندية، وما يعتريها من الفتور والارتباك في برامجها وأنشطتها.
ولو سلمنا بهذا الأمر فأعتقد أنه نتيجة حتمية لما واجهته وتواجهه الأندية الأدبية في السنوات الأخيرة من تجاهل الجهات المسؤولة عنها، واعتبارها إدارات هامشية، بل وأن أحد الخيارات المطروحة هو حل الأندية الأدبية أو إلغاؤها، بداعي عبئها المالي وعدم جدواها وتراجع أدائها، وكان الأجدر البحث عن أسباب هذا التراجع والفتور.
فما تعانيه الأندية الأدبية في السنوات الأخيرة من ضعف الدعم المقدم إليها، وتقاذف مرجعيتها بين عدة وزارات خلال سنوات قليلة حتى انتهى بها المطاف الى وزارة الثقافة؛ إضافة إلى القيود البيروقراطية المفروضة عليها، إلى جانب غياب الرؤية الثقافية الموجهة في القطاع الثقافي عمومًا، والمناخ الذي لم يعد داعمًا للحراك الإبداعي، وهو ما يعني أنها خارج اهتمام الوزارة، وكأنها تبحث عن طريقة أو مبرر لإنهائها، ولم يعد لها أي تصوّر ثقافي للمرحلة المقبلة، مما أصاب معظم القائمين على هذه الأندية بالإحباط.
وبالمقابل نلاحظ اهتمام الوزارة بإنشاء كيانات بديلة ستوكل إليها المهمات الثقافية مستقبلًا بمقتضى تخصّصات في مختلف الحقول، إضافة إلى اتجاه الوزارة الى السماح لأصحاب المقاهي للقيام بالدور الثقافي في إقامة المنتديات والفعاليات الثقافية والامسيات الشعرية، بداعي أنها مواكبة للعصر وأماكن يألف الشباب ارتيادها، في الوقت الذي يمكن أن يتم تطوير الأندية الأدبية بما يتلاءم مع متطلبات العصر، فهي مؤسسات لا تزال قائمة، ولها تاريخ مشرف وقاعدة ثابتة وشخصية اعتبارية مستقلة، وهي كيانات عريقة تأسست منذ أكثر من نصف قرن، وأسهمت في صناعة حراك ثقافي سعودي من خلال جيل المثقفين الرواد، لا تزال المملكة تعيش تبعاته حتى اليوم، بعد أن صمدت أمام موجات التيارات المتجاذبة والمتضادة، واستطاعت بكفاءة – خلال حقبة من الزمن – أن تدير دفة الثقافة وحراكها في المملكة من خلال الإصدارات الأدبية والأمسيات الشعرية والندوات والفعاليات المتوالية، كما لعبت دورًا مهمًا في إبراز تاريخنا السعودي الناصع وهويتنا وحضارتنا العربية الملهمة.
ونتفق جميعًا على أنها أحدثت نشاطًا ثقافيًا ضخمًا ومتنوع المجالات طوال عقود من الزمان، ومن المؤكد أن تطوير هذه الكيانات سيكون أسهل بكثير من إيجاد البدائل التي لا يمكن التنبؤ بنتائجها، فلماذا نبدأ من الصفر بينما الخيار الاستراتيجي المستدام هو دعم هذه الكيانات الثقافية القائمة ووضع الأطر التنظيمية لها وتطويرها بما يتواكب مع العصر وتوجيهها ورعايتها؟ وأعتقد أن قرارًا بحلها سيواجه العديد من التحديات والإجراءات اللوجستية المعقدة.
وليس ثمة اختلاف على أن الحاجة إلى التطوير المستمر ومواكبة متطلبات المرحلة في الارتقاء ببرامج جودة الحياة على مختلف الأصعدة والمستلهمة من “رؤية 2030، هي مطلب حتمي في المرحلة الحالية، ولكن هذا التطوير يجب أن ينطلق من خلال إصلاح الخلل، وإنصاف هذه المؤسسات القديمة ذات التاريخ العريق، والبحث عن مواطن الخلل بإجراء دراسات جادة حول أسباب ضعف مخرجاتها، ووضع رؤية شاملة لتعزيز المنتج الثقافي، والاهتمام بالكيف لا بالكم في الأنشطة الثقافية وجودتها، وتعزيز التواصل بينها وبين وزارة الثقافة ممثلة بهيئة الأدب، وإدخال عناصر شبابية جديدة من الموهوبين والمبدعين في المجال الثقافي، بعيدًا عن الأسماء المكررة.
0