المقالات

كيف نفهم التحوَّل الصحي وهدفه الأسمى: “منظومات الرعاية المسؤولة”؟!

في السنوات الأخيرة، أصبحت مفاهيم الجودة والمسؤولية الاجتماعية والتحسين المستدام محور اهتمام في كافة القطاعات، ولم يكن قطاع الرعاية الصحية استثناءً.
تعتمد منظومات الرعاية المسؤولة (ACOs) على هذه المفاهيم؛ لتوفير رعاية صحية أفضل وأكثر كفاءة للمرضى. فماذا يعني مفهوم المنظمات الرعاية المسؤولة وكيف تعمل في مختلف أنحاء العالم؟

تعتبر منظومات الرعاية المسؤولة (ACOs) أنظمة صحية تتعاون مع مقدمي الرعاية الصحية من أجل تحسين جودة الرعاية وتقديم خدمات صحية أكثر كفاءة. تعمل هذه المنظومات على تنسيق الرعاية بين مقدمي الخدمات المختلفين، مما يُساهم في تقليل التكاليف وزيادة جودة الرعاية.

أحد أهم الأمثلة على هذا المفهوم هو النظام الصحي الأمريكي. يقول دون بيرويك، المؤسس والرئيس التنفيذي السابق للمعهد الوطني للجودة الصحية في الولايات المتحدة: “منظومات الرعاية المسؤولة هي رد فعل طبيعي على تحديات النظام الصحي الحالي؛ لأنها توفر فرصة للمؤسسات الصحية لتحسين الجودة والكفاءة بينما تُقلل من التكاليف.”

تأتي أهمية منظومات الرعاية المسؤولة من قدرتها على تحديد الأداء المالي والسريري لمقدمي الرعاية الصحية؛ بحيث يتم تقييم الأداء بناءً على مؤشرات محددة تعكس جودة الرعاية ونتائج المرضى. تُساعد هذه المعايير في تحسين نتائج المرضى وتعزيز الشفافية والمسؤولية.

في ألمانيا، تحظى منظومات الرعاية المسؤولة بشعبية متزايدة، وتعتبر “Gesundes Kinzigtal” في جنوب ألمانيا أحد النماذج المثلى لهذا النوع من المنظومات، فقد تعاونت هذه المنظومة مع مقدمي الخدمات الصحية المحليين لتحسين جودة الرعاية وتقديم خدمات صحية أكثر كفاءة لنحو 70,000 مريض.

في المملكة المتحدة، يعمل نظام الرعاية الصحية الوطني (NHS) على تطبيق مفهوم منظومات الرعاية المسؤولة من خلال تأسيس “الشبكات الصحية المتكاملة” (ICS)، التي تهدف إلى تحسين التنسيق بين مقدمي الرعاية الصحية وخفض التكاليف. يقول سايمون ستيفنز، الرئيس التنفيذي للخدمة الصحية الوطنية في المملكة المتحدة: “إن تطبيق مفهوم منظومات الرعاية المسؤولة يعني تحقيق تكامل أكبر بين مقدمي الرعاية الصحية والتركيز على الوقاية وتحسين جودة الرعاية المقدمة للمرضى.”

وتتميز منظومات الرعاية المسؤولة، بالإضافة إلى خدمة المرضى بالشكل المهني المناسب وفي الوقت المناسب، بالتركيز على الوقاية والتدخل المبكر لمنع تفاقم الأمراض والحد من فرص الإصابة بمضاعفات، ويعتقد الخبراء أن هذا النهج يمكن أن يؤدي إلى تقليل استخدام المستشفيات وتحسين جودة حياة المرضى.

بالإضافة إلى ذلك، تعمل منظومات الرعاية المسؤولة على تعزيز الشفافية والمسؤولية من خلال تتبع الأداء السريري والمالي لمقدمي الرعاية الصحية وتحسينه. يقول الدكتور مايكل پورتر، أستاذ إدارة الأعمال في هارفارد: “تعتبر منظومات الرعاية المسؤولة أداة قوية لتحسين الرعاية الصحية من خلال تحفيز مقدمي الرعاية على تحقيق أفضل نتائج ممكنة للمرضى.”

لكن كيف يمكن أن يؤثر هذا المفهوم على النظام الصحي وعلى المستفيدين من الخدمة؟
يمكن اختصار ذلك في جوانب أهمها:

1. التكامل العمودي والأفقي: تسعى منظومات الرعاية المسؤولة إلى دمج مقدمي الرعاية الصحية على مستوى الخدمات المختلفة (التكامل العمودي) وبين مقدمي الرعاية المختلفين (التكامل الأفقي). يؤدي هذا التكامل إلى تبسيط التنسيق بين فرق الرعاية وتحسين تجربة المريض.
2. التحول من الرعاية المبنية على الحجم إلى القيمة: تعتمد منظومات الرعاية المسؤولة على نظام دفع يعتمد على القيمة بدلًا من الحجم. يعني ذلك تحفيز مقدمي الرعاية على تحسين جودة الرعاية، وتحقيق نتائج صحية أفضل بدلًا من التركيز على زيادة عدد الخدمات المقدمة.
3. مشاركة المرضى: تعتبر مشاركة المرضى عنصرًا أساسيًا في نجاح منظومات الرعاية المسؤولة، فهي تشجع المرضى على المشاركة الفعّالة في إدارة صحتهم واتخاذ قرارات مستنيرة حول العلاجات والخدمات الصحية.
4. استخدام التكنولوجيا: تلعب التكنولوجيا دورًا هامًا في تحسين الرعاية الصحية وتحقيق أهداف المنظمات الرعاية المسؤولة. يمكن استخدام النظم الإلكترونية لتبسيط التنسيق بين مقدمي الرعاية وتتبع الأداء وتحليل البيانات للتحسين المستمر.
5. التعاون المجتمعي: منظومات الرعاية المسؤولة تعتبر جزءًا من النسيج الاجتماعي وتعمل على تحسين صحة المجتمع بأكمله. يمكن لهذه المنظومات التعاون مع الجهات المحلية والمجتمعات لتعزيز الوقاية والتدخل المبكر للأمراض وتحسين صحة السكان على المدى الطويل.
في السعودية: يهدف التحول الصحي في استراتيجياته وبواباته الخمس الممتدة إلى ٢٠٣٠ إلى الانتقال بأمان وبانضباط من نظام تقليدي قديم يعتريه الكثير من الجوانب القابلة للتحسين، إلى مجتمع واعٍ وتجمعات صحية تتدرج في نضجها المؤسسي إلى أن تحقق مفهوم “منظومات رعاية صحية مسئولة”.

المهمة ليست سهلة، لكن العمل الدؤوب، الاستمرارية، الإرادة، والسير حسب الاستراتيجية المرسومة كفيل بالوصول بنا، وبمجتمعنا إلى الهدف المنشود.

في المجمل، تعتبر منظومات الرعاية المسؤولة نموذجًا إبداعيًا حديثًا يهدف إلى تحسين جودة الرعاية الصحية وزيادة الكفاءة وخفض التكاليف. من خلال تعزيز التعاون بين مقدمي الرعاية والتركيز على الوقاية وتحسين تجربة المريض، يمكن لهذه المنظومات تحقيق التغيير الإيجابي في قطاع الرعاية الصحية وتوفير رعاية أفضل للمرضى.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. وفقكم الله نرغب في معرفة الخطم التشغيليه للمريض للوصول وتحقيق الهدف التحولي كما نرجو مخاطبة المرضي باسلوب بسيط يستطيع ان يسير وفق ذلك ويتمتع بصحه وعافيه
    بارك الله فيكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى