يفد ضيوف الرحمن إلى بيت الله الحرام زرافاتٍ ووحدانا يملؤهم الشوق والحنين إلى هذه الرحاب الطاهرة مستعدين بكل ما يعينهم في إكمال نسكهم ماديًا ومعنويًا تسبقها التهيئة المعنوية والبدنية والحركية؛ حرصًا من بلدانهم على تيسير وأداء نسكهم بكل سلامةٍ وأمان.. إلا أن ما يُلاحظ من سلوكٍ حركيٍ خطير لبعض المجموعات من الحجيج (دون قصد منهم) عند تكتلهم في مجموعاتٍ كبيرةٍ خلال رحلة الحج، ظاهرها فيه التنظيم والانضباط وباطنها فيه مكامن الأخطار.. وتتجلى رؤية تلك الحشود المتكتلة عند الطواف والسعي وعند رمي الجمار؛ حيث نرى تلك التكتلات البشرية المنظمة والمحكمة الإغلاق، والتي تحوي المئات من الحجاج تتحرك ككتلةٍ واحدةٍ لا يمكن قطعها أو اختراقها مما يجعل المحيط الذي تتواجد به محكم الإغلاق ومهيئًا لأزمات التدافع والاختناق، ويتجلى ذلك المشهد أكثر وضوحًا عند اصطدام بقية الحجاج فور انتهائهم من الطواف بتلك الكتل البشرية المحكمة الإغلاق والتي ما زالت في طوافها، مما يولد بؤرةً من التوقف المفضي للارتباك والذي قد يصل إلى التدافع لا قدر الله.. لذلك فإن ترك تلك المجموعات تتحكم في تشكيل كمها وكيفها دون أدنى تنظيمٍ ملزمٍ، أمرٌ بالغ الخطورة، فأزمات الحشود لا تأتي بغتة، فهي نتاج تراخٍ وتراكمٍ وغفلة قد تفاجئنا في أي لحظة .. ولدرء ذلك الحرج المتوقع والذي لا يمكن استبعاده وتهميشه، يتسنى من الجهات الرسمية ذات العلاقة المسؤولة في منظومة الحج سن التعليمات المنظِمة لحركة الحشود ومراقبة الالتزام بها لإحكام السيطرة الكاملة عليها، وعدم ترك المجال لأي اجتهادٍ لا مسؤول؛ كي نتجنب الوقوع في الأزمات الحرجة لا قدر الله.
0