المقالات

الأفكار السوداوية

قد يستيقظُ البعض صباحًا في يومٍ ما، وهو يحمل أفكارًا بعقله محتواها ما الفائدة من الذهاب للعمل؟ ما الفائدة من هذه الحياة والعيش فيها طالما أن نهايتها سنموت!! تاركين خلفنا أبناءنا وعائلاتنا وأحبابنا؟ هذه الأفكار تشل تفكير الإنسان وتمنعه عن فعل أي شيء، وتحرمه عن الاستمتاع بمجريات حياته وتحوله من شخص مضيء إلى شخص بائس ومنطفئ؛ حيث تنعكس هذه الأفكار السوداوية لتُحاصر كامل مشاعره تتشكَّل على هيئة تساؤلات يا ترى هل أسرتي وأصدقائي وأبنائي سيفتقدونني غدًا بعد موتي؟ وللخَوف من المَوت أربعة مصادر مختلفة هي: خسارة النفس أو فقدان شخصٍ آخر، وفقدان السيطرة، والخوف من المجهول (الجنة، النار الحساب)، وألم الموت ومعاناته. هنا نتناول فكرة الموت في حد ذاته، ليس موت الآخرين؛ حيث يبدأ قلق الموت بخوفٍ وفضول طبيعي وصحي عن المجهول الذي ينتظرنا، لكن تجاهله وعدم التعامل معه بحكمةٍ يؤدي بسهولةٍ شديدة إلى حلقةٍ مفرغة من القلق؛ لأن ما نقاومه ونتجاهله يستمر في النمو والسيطرة على أفكارنا وبالتالي على كامل حياتنا، تظهر أعراض قلق الموت في صورة خوفٍ حاد يصل إلى الرعب حين نفكر فيه، كذلك تجنب المواقف أو المحادثات التي تشعر أنها قد تؤدي للحديث عنه، وتظهر بعض الأعراض الجسدية المتعارف عليها للقلق عند التفكير به، مثل: سرعة ضربات القلب والتعرق وآلام المعدة والغثيان والأرق، ونؤكد على أن الخوف من الموت هو أمرٌ طبيعي جدًا، غرائزنا نحن البشر تحتم علينا الهرب من المجهول أو المخيف في محاولة منَّا للنجاة، ووجود فكرة الموت لدينا تستثير مفهوم البقاء أو الرحيل، فبعض المواقف والأحداث في الحياة تدفع الإنسان في التفكير في الموت وإعلان النهاية؛ فحين يتقدّم الإنسان بالعُمر وبعد مُضي عشرين أو ثلاثين سنة أو عند اقتراب التقاعد أو إصابته بمرض عضال أو فقد أحد الوالدين أو الأبناء أو الأصدقاء أو المقربين تُثير هذه المواقف مخاوف الإنسان، فكلما تجنبنا فكرةً أو خوفًا معينًا، كلما ازداد قلقنا حياله وزادت رغبتنا في التجنب والهرب، فلا يعدّ قلق الموت في حد ذاته اضطرابًا، لكنة يتواجد ضمنيًا في صميم العديد من اضطرابات القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة والهلع والوسواس القهري، ويرتبطُ على الأخص باضطراب القلق العام والاكتئاب، ويُعتبر قلق الموت من أنواع القلق المتكرر بلا سبب مع العجز عن السيطرة عليه أو إيجاد منطقٍ يبرره. التفكير في الموت والقلق منه ليس مشكلةً في حد ذاته، إلا عندما يتحول إلى مشكلة حادة يومية وتستمر لفترة طويلة (أكثر من 6 أشهر)، في هذه الحالة سوف تؤدي هذه المخاوف إلى حرمان الشخص من الاستمتاع بحياته اليومية الطبيعية، وباختلاف طرق العلاج فإنها كلها تنتهي إلى تعلم أن نتقبله، والتصالح مع وجود الموت في مقابل وجود الحياة، ويعتبر العلاج النفسي السلوكي المعرفي الذي قد يشمل على التعرض لتفصيل من تفاصيل الموت (مثل حضور الجنائز)، وكذلك تمارين التنفس والاسترخاء، ومحاولة التوصل إلى أفكار مرنة حول الموت مثل: إدراك أنه خوف مبرر وطبيعي تمامًا، وهذا الخوف يوجد لدي جميع البشر، وقد يشتمل العلاج على محاولة التعرف على الأحداث السعيدة في الحياة لتغيّر وجهة نظرنا حيالها وأن من حقك أن تعيش الحياة وتشعر بالسعادة، وأن البداية والنهاية بيد الله سبحانه وتعالى، وهي في ملكوت علمه وهو أرحم الراحمين، وعلينا أن نعي حقيقة ثابتة أن مسار الحياة هو مسار واحد لكل البشر؛ نأتي، ننمو، نضعف، نموت. الموتُ في حد ذاته حدثٌ علينا أن تعلُّم تقبُّله، والمفتاح الأساسي للخروج من قلق الموت هو حسن الظن بالله لكامل حياتنا وبعد مماتنا، وأن نخرج من أفكارنا فكرة أن الموت ليس حدثًا سلبيًّا مؤلمًا؛ حيث إننا محظوظون لأننا نلنا فرصة عيش الحياة من الأساس، ولا زلنا نعيش متعة الحياة حتى اللحظة.

– أخصائي أول نفسي

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button