المقالات

الأبعاد الجيوستراتيجية لزيارة تميم إلى بغداد

في عالم الاستراتيجية هناك نوعان من الاستراتيجية: الاستراتيجية الإقليمية وتُصاغ لضمان الأمن واستثمار الموارد والفرص المتاحة لها في البيئة الإقليمية.
والنوع الثاني الاستراتيجية الدولية ويحصل بين الاثنين الصراع، وأحيانًا التعاون والتخادم حسب المتغيرات والمعطيات على الأرض.
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية دخل العالم في حالة من الصراع يعرف بصراع الطاقة؛ حيث وقفت معظم الدول الأوروبية الى جانب أوكرانيا رغم اعتمادها وتبعيتها للغاز الروسي، يدفعها إلى هذا الموقف هواجس أمنها القومي والضغوط الأمريكية، ودخلت معظم الدول الأوروبية في أزمة الطاقة بسبب تقليل الإمدادات الروسية من الغاز؛ لذا أخذت أوروبا تبحث عن بديل عن الغاز الروسي، وكان من ضمن الخيارات وبموافقة أمريكية الغاز المُسال القطري؛ حيث تعتبر هذه الدولة الثالثة عالميًا في احتياط الغاز والخامسة عالميًا في الإنتاج معظم إنتاجها من حقل الغاز الشمالي البحري، وتم عقد العديد من الاتفاقيات بين شركة قطر للطاقة وبعض الدول الأوروبية؛ وخصوصًا ألمانيا وتم بالفعل تزويدها بالغاز المسال القطري بواسطة السفن العملاقة إلا أن تكلفة النقل كانت باهظة؛ لذا كان أمام قطر مساران الأول من خلال سوريا إلى البحر المتوسط ثم إلى أوروبا إلا أن الوجود الروسي في سوريا حال دون ذلك؛ لأن روسيا لن تقبل إيجاد بديل عن غازها وأسواقها الأوروبية؛ خصوصًا هناك خطة أمريكية بالاستغناء عن الغاز الروسي بشكل تدريجي بحلول عام ٢٠٢٧؛ لذا لم يبقَ أمام قطر إلا المسار العراقي لنقل الغاز إلى أوروبا عبر العراق ثم تركيا وصولًا إلى الأسواق الأوروبية لكن هذا المسار يشعل صراعًا مع إيران الثانية عالميًا في إنتاج الغاز التي لديها مشروعها لتصدير الغاز عن طريق خط كرمناشاة – ديالى – دير الزور – البحر المتوسط – أوروبا، والذي لم يرَ النور بسبب معارضة روسيا المتواجدة في سوريا.
لذا كانت زيارة الشيخ حمد للعراق تمهيدًا لهذا المشروع الذي أصبح ضمن الاستراتيجية القطرية في البيئة الإقليمية من اجل استثمار مواردها ورفع مكانتها الإقليمية والدولية وإيجاد بديل عن نقل غازها بواسطة السفن ذات الكلفة العالية؛ لذا فإن العراق دخل طرفًا رئيسًا في صراع إمدادات الطاقة في الشرق الأوسط بين المنتجين الكبار للغاز (روسيا- إيران – قطر).
وجدت قطر مشروع التنمية الذي أعلن عنه العراق وتركيا فرصتها للمشاركة في هذا المشروع الضخم من أجل أن يكون العراق ممرًّا لغازها إلى الأسواق الأوروبية، وقد تقدم إغراءات استثمارية ضخمة للعراق من أجل الموافقة على مشروع نقل الغاز القطري؛ لأن المكاسب التي سوف تجنيها كبيرة بحكم كونها حاليًا تزود أوروبا ب ١٦٪ من احتياجات الغاز، وتطمح إلى رفع هذه النسبة أكثر من ٤٠٪ أن الطلب على الغاز عالميًا مرتفع؛ لأنه يُعتبر من مصادر الطاقة النظيفة قياسًا بالنفط والفحم، وشركة قطر للطاقة من الشركات الكبرى التي تضاهي شركة غازبروم الروسية، ولديها الطموح في أن تكون البديل للغاز الروسي في أوروبا ضمن خطة أمريكية أوروبية من أجل إنهاء تبعية أوروبا لروسيا في مجال الغاز، وكذلك حرمانها من الواردات المالية الضخمة من تصدير غازها أن رغبة أوروبا في التعاون مع قطر في مجال تصدير الغاز هو بسبب تعرض إمدادات الطاقة إلى مخاطر بسبب الحرب الروسية الأوكرانية؛ لذا البحث عن طرق آمنة لنقل الغاز هاجس أوروبي، وهذا ما دفع وزير الاقتصاد الألماني لعقد اتفاقات ضخمة مع شركة قطر للطاقة.
وسط كل هذا الصراع والتنافس الإقليمي والدولي.. أين هي مصالح العراق العُليا؟ هل لدى العراق استراتيجية تضع مصالح العراق وشعبه ضمن أولوياتها من أجل استثمار هذا الصراع والتنافس يين الدول؟
إن موقع العراق الجيوستراتيجي يؤهله للعب دور إقليمي محوري في مجال الاقتصاد؛ وخصوصًا موضوع الطاقة على صانع القرار السياسي العراقي أن يكون أكثر ذكاءً في استثمار هذا التوجه العربي والإقليمي نحو العراق؛ لأن الفرص قد لا تتكرر، ويفقد العراق فرصة استعادة دوره الريادي في المنطقة من الأسباب الرئيسية لهذا الإقبال نحو العراق هو استتباب الأمن واستقراره، وهو وحده الذي يوفر البيئة الآمنة للبناء والاستثمار؛ لذا ينبغي المحافظة عليه عن طريق ترسيخ أسس السلم الأهلي.

زياد الضاري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى