من الأوصافِ القرآنيةِ لمكةَ المكرمةِ أنَّ الله جعلها (مثابةً للناسِ)، قال سبحانه: ((وإذْ جعلنا البيتَ مثابةً للناسِ وأمناً)).
وهذه الكلمةُ القرآنيةُ الرشيقةُ لها معانٍ كثيرةٌ، منها: أن زوارَ هذا البيتِ لا يقضونَ منه حاجتَهم مهما مكثوا، فإذا انصرفوا، تحيَّنوا الفرصة ليثوبوا إليه، أي: ليرجعوا إليه.
ومن معانيها أن الناس (يثوبون) إلى البيتِ -أي: يأتونه- من البلدان كلِّها.
ومن معانيها: أنّه مجَمْعٌ للناسِ.
ومَنْ عرف مكةَ حقَّ المعرفةِ عرف كيف انصهرتْ في حماها كلُّ الأجناس، وتآلفتْ في أحيائها كلُّ الأعراقِ، ودبَّتْ على شوارعها ملايينُ الأصنافِ من البشرِ.
إنّها (المثابةُ) التي تجمعُ كلَّ من آمنَ بالله ورسوله، وتسوِّي بينهم، فليس بحضرةِ البيتِ العتيقِ شريفٌ ولا وضيعٌ إلا بالتقوى، فالكلُّ سواءٌ بنصِّ الوحيِ الإلهيِّ: ((وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً)). ولذلك فإنك حينَ تستعرضُ البيوتاتِ المكيةَ قديمَها وحديثها فإنّكَ تجدُ من كلِّ عرقٍ ولونٍ.
وقد تذكرتُ هذه المعانيَ الشريفة حينَ لقيتُ قبل أيامٍ قليلةٍ في المركز الإسلامي بمدينة لندن عدداً من الذين وفدوا إلى مكةَ المكرمةِ لأداء فريضة الحج، لقيتهم، وتحدثت إليهم، واستمعتُ إلى كلماتِهم، فرأيتُ علائِمَ الشوقِ، وأماراتِ المحبة، وآياتِ الامتنانِ، لأمِّ القرى المدينة، والدولة؛ المملكةَ العربية السعودية التي تحتضنُ هذه المدينةَ المقدسةَ وتخدمُ زُوّارها.
كانت كلماتُهُم تفيضُ للهِ حمداً، ثم لهذه البلادِ شكراً.
كانوا يتحدثون بتأثرٍ بالغٍ عما وجدوه في هذه المدينة المقدسةِ من أجواءٍ إيمانية، ونفحاتٍ روحانية، وآفاقٍ علميةٍ، مع حفاوةٍ وكرمٍ وطيبِ معشرٍ.
جدَّدَ عندي هذا اللقاءُ ما لم يغبْ عني قطُّ من (محوريةِ) الدورِ السعوديِّ في النطاقِ الإسلاميِّ والعربي، فهذه البلادُ المباركةُ التي منحها الله شرف خدمةِ الحرمين ، فهي اليومَ رائدةُ الدول العربية والإسلاميةِ بلا منازعٍ، وقلبُ العالم الإسلاميِّ النابض، وبقدر ما يمنحُها هذا الدورُ من شرف، بقدر ما يلقي عليها مسؤولية كبرى، وأعباءً جساماً، ويجعلها (مثابةً) للعرب والمسلمين، يلجؤون إليها في نوازلهم، ويستعينون بإمكاناتها ومكانتها في حوادثهم.
إنّ المقام لا يتسعُ لاستعراضِ جهود المملكةِ الضخمةِ في خدمة القضايا العربية ، وقد سبقَ أنْ عُقدَ منذ شهر تقريباً مؤتمرٌ كاملٌ بهذا الخصوصِ، وخرجتْ أعمالُهُ وتوصياته لرأب الصدع وجمع الكلمة.
لامجال إذنْ لهذا الاستعراض، ولكنني أود التركيز على هذه (المثابة) أو (المرجعية) التي جعلتْ من المملكة العربية السعودية نقطةَ الارتكاز في كل قضية من قضايا الأمة.
وانظرِ اليومَ فإنك لا تجدُ قضيةً ، ولا نازلةً عربيةً، إلا والأعين تتجه إلى المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين الامير محمد بن سلمان.
إنّه قدرٌ رباني .. أنْ تكونَ (أمُّ القرى) مثابةً للطائفين العاكفين.. والدولة التي تحتضنها مثابةً للعرب والمسلمين.
0