المقالات

شذرات مكية (٦-١٠)

اشتهرت أسواق النخاسة في عدد من مدن الحجاز؛ إذ كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتجارة الرقيق التي ازدهرت في مكة المكرمة بشكل واضح خلال هذه الفترة، فقد تبوأت مكان الصدارة بين أقطار العالم الإسلامي في الاتجار بالرقيق، واستلزم ذلك وجود أسواق النخاسة يعرض فيها الرقيق من الغلمان والجواري الذين جلبوا بواسطة الحملات العسكرية المملوكية أولاً ثم العثمانية ثانياً
أو عن طريق التجار.
كانت تجارة الرقيق تجارة مربحة ومزدهرة في مواسم الحج، والواقع أنها تجارة رابحة ضاربة في القدم بإقليم الحجاز؛ إذ يُجلب الرقيق من الأسواق الخارجية، ويعرض للبيع في المواسم، حيث يزداد الطلب عليه.
فانتعشت حركة البيع والشراء في الرقيق خلال مواسم الحج، وكان بعض تجار الحجاز يجنون من هذه التجارة أرباحًا عظيمة، ويرجع ازدياد الطلب على شراء الرقيق إلى حاجة الحجاج لمن يخدمهم في ركوبهم، وحمل متاعهم وإعداد طعامهم.
كما كان أهل مكة المكرمة يقومون بشراء الرقيق لاستخدامهم في منازلهم أو في أعمالهم الخاصة أو الزراعة، او كعمال يدويين، ومما لا شك فيه أن تجارة الرق كانت حكرًا في أغلب الأحيان على التجار المحترفين الذين كانوا يحققون نسبة عالية بها من الأرباح.
والجدير بالملاحظة هنا، أن تجار الرقيق كانوا يتخذون أساليب متنوعة للترغيب والترويج لهذه السلعة القيمة. فقد كانت الجواري تُزين وتُعرض للبيع في مواسم الحج كما كان يُطاف بهن في المواسم حول البيت في المسجد الحرام ثم يعرضهن للبيع بدار الندوة إلى جهة باب بني شيبة.
وكانت هناك أسواق خاصة لبيع الرقيق داخل بيوت يمتلكها تجار الرقيق في الموانئ المهمة، مثل: ميناء جدة وميناء الليث، حيث يباع فيها الرقيق الجيد، وكانت تجارة الرقيق تُمثل وضعًا اقتصاديًا هامًا في مكة المكرمة حيث يُباع عدد ليس بالقليل منه إلى الحجاج، ينقلونه معهم إلى أوطانهم على أمل أن يحققوا ربحًا بعد بيعه، كما يُباع قسم من الرقيق في جدة إلى العسكر المقيم من العثمانيين الذين يخدمون في مكة المكرمة وميناء جدة.
نتيجة للثراء الفاحش من هذه التجارة، قرر حكام مكة أن يستفيدوا من الأموال الطائلة التي يحنيها دلالو الرقيق؛ فأصدروا مرسومًا على دلالي الرقيق بزيادة المكوس عن الفترة السابقة.
وتشير كثير من المصادر المكية في مؤلفاتهم أن المكيين كانوا يعاملون رقيقهم معاملة طيبة حسنة، حيث كان وجود الرقيق يعتبر نوعًا من الوجاهة الاجتماعية والثراء والرفاهية الاقتصادية.. التي يحافظ عليها سيدها. وقد كان الأسياد يحرصون على تعليم الرقيق القراءة والكتابة وخاصة النبهاء منهم ليتفاخروا بهم، واستطاع كثير من الأرقاء أن يترقوا ويتقلدوا مناصب مهمة في مكة.
ولقد اشتهر هؤلاء الأرقاء بصفات جميلة وأخلاق حميدة، وعرفوا بالصلاح والخير؛ وبذلك استحقوا هذه المناصب الهامة. كما كانت نظرة الكثير منهم للرق هي إخراج المسترقين من ربقة الشرك إلى حظيرة الإيمان، ويختنون على الطريقة الإسلامية بعد إسلامهم. وفيما يبدو أن النظرة كانت على عكس ما هو سائد في أوروبا، حيث كان الرق وسيلة للقهر والاستذلال، وطريقة لاستنفاد طاقات الإنسان وتسخيرها لمصلحة السيد من غير هوادة ولا رحمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى