في إحدى ورش العمل المصاحبة لبرنامجي الانتخابي، لانتخابات مجلس إدارة غرفة مكة التجارية للدورة 21 والذي كان يحمل في طياته شغفًا كبيرًا ورؤية طموحة، هي ( أن تكون مكة المكرمة منارة للمسؤولية المجتمعية) دار نقاش بين مجموعة من الحاضرين المهتمين، هل المسمى الصحيح هو المسؤولية المجتمعية أم المسؤولية الاجتماعية؟! وما الفرق الجوهري بين المصطلحين؟!
وهناك تداخل كبير بين المفهومين، وليس تبيينه أو الانحياز إلى مفهوم دون الآخر هو هدفي من هذه المقالة، ولكنّي أحاول أن أصل إلى تأصيل لمفهوم المسؤولية المجتمعية وما أبرز ثمارها المرجوة، وثمة حديث نبوي شريف استوقفني كثيرًا، ووجدت أنه يعرّف بأثر المسؤولية المجتمعية والغاية والهدف منها، وهو حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه : “من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا”.
وهو يحكي عن الدور المنوط بالمجتمع تجاه المجتمع، وتُمثّل المجتمع في هذه المهمة العظيمة الجهات بمختلف مستوياتها ومجالاتها، فهي القادرة على تحقيق قيم التكافل الاجتماعي والإسهام في إيجاد الحلول لمشكلات المجتمع وتحدياته، وحيث أن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يوضّح لنا ثلاثية المسؤولية المجتمعية، ويدلنا على مسؤوليتنا تجاه الآخر، وهي أن نحقق له أمنه على نفسه وعلى أهله وعياله، وأن نكون يدًا تمسح عنه الألم والسقم إذا ما زار جسده حتى يصبح معافى ولا يشكو من أي بأس، ثم نوفّر له ما يقتاته في يومه، وهذا – في ظني – هو الغاية من المسؤولية الاجتماعية والهدف منها، ومن هذا الحديث النبوي استنبطت تعريفًا لهذا المجال الذي كثر اللغط والاختلاف حول ماهيّته الحقيقية وتعريفه الإجرائي، حيث أنني أعرف المسؤولية الاجتماعية بأنها : تكامل الجهود المجتمعية لتحقيق الأمن و العافية و الكفاية للمجتمع، وهو تعريف مستقى من حديث الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام، ثم إنني وأنا أعيش في ظلال هذا النص الشريف وأتأمّله، وجدت أنه عليه الصلاة والسلام رتّب لنا مستويات مسؤولية المجتمع تجاه أفراده، فبدأ بالأمن وهو أعظم نعم الله على الإنسان بعد الإسلام، وبها يحقق مقاصد الشرع، إذ أن انعدامه انعدام لكل شيء، وتحققه باب لتحقيق وإنجاز كل أمور الدين والدنيا، ثم ثنّى عليه الصلاة والسلام بالعافية في الأجساد وهي الصحة والسلامة من العلل والأسقام، إذ بها يؤدي المرء واجباته كما يجب، ويكون يدًا فاعلة في خدمة مجتمعه ووطنه، وبدون الصحة يفقد الإنسان قدرته على أداء أي مهمة، حتى تلك التي تكون تجاه ذاته أو أهل بيته، وثلّث عليه الصلاة والسلام بقوت الإنسان وما تقوم به حياته من المأكل والمشرب، وهو أحد الضرورات التي لا يمكن للإنسان أن يعيش بدونها، فمن تحققت له هذه الثلاث كأنما حيزت له الدنيا، أي نالها بتمامها.
وكأن هذا الحديث جاء ليشرح لنا دور الإنسان تجاه الإنسان، ولم يكتفِ بذلك بل رتّبها لنا وما يجب أن يكون أولًا في العمل المجتمعي وهو الإسهام في تحقيق الأمن وتعزيزه، وما يكون ثانيًا وهو الحفاظ على الصحة، وما يكون ثالثًا وهو تأمين الغذاء للإنسان.
ولأن المسؤولية المجتمعية هي منوطة بالشركات والمؤسسات تجاه المجتمع، بدافعٍ وطني، والتزامٍ مجتمعي وإنساني، من خلال المبادرات والبرامج والأنشطة التي تحقق أهداف التنمية المستدامة.
فإنني أدعو العاملين في هذا المجال إلى الإفادة من هذا الحديث في ترتيب أولويات مشاريعهم ليكون لها بالغ الأثر، وتكون سببًا في الشعور بحيازة الدنيا وتحقق السعادة والرضا لدى المستفيدين من هذه المبادرات والبرامج من الفئات الأقل حظًا وغيرهم.
0