كون المملكة العربية السعودية هي أرض الحرمين الشريفين، أطهر بقاع الأرض وقبلة أكثر من مليار مسلم، يجعلها قلب العالمين العربي والإسلامي، ومهوى أفئدة المسلمين في كل أنحاء العالم. ووضع المملكة قيادة وشعبًا خدمة الحرمين الشريفين والحجيج والمعتمرين والزوار غاية وواجب ورسالة، وتكريس جهودها من أجل تحقيق الأمن والسلامة للحجاج والمعتمرين جعلها موضع احترام وتقدير من قبل العالم الإسلامي كله.
المملكة التي أعطت تطوير خدمات الحج عبر العديد من الخطط والبرامج، وفق توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان، ومنحها أولوية في سجل اهتماماتها تكرس كافة جهودها من أجل إنجاح موسم الحج كل عام، وتوفير كافة الأجواء والظروف التي تسهل على حجاج بيت الله الحرام أداء الركن الخامس في الإسلام بيسر وراحة وطمأنينة منذ أن تطئ أقدامهم الأراضي المقدسة حتى عودتهم إلى ديارهم سالمين غانمين وقد منَّ الله عليهم بالحج المبرور والسعي المشكور. وتنفيذًا لهذه التوجهات عكفت وزارة الحج والعمرة ووزارة الداخلية وغيرها من أجهزة الدولة المعنية على تحمل مسؤولياتها لتحقيق أفضل إنجاز خلال موسم الحج، وحيث بلغ عدد الحجاج هذا العام أكثر من مليوني حاج من 160 دولة، والتنسيق مع مختلف الجهات على إدارة الحشود وتأمينها، وتنويع مبادراتها وفق تنظيم دقيق يضمن سلامة كل حاج، ويوفر له أداء الفريضة بكل يسر وسهولة.
ولا شك أن الحج هذا العام دون قيود أو شروط على أعداد الحجاج، ولا سقف أعلى للعمر، وبدون فحوصات كورونا، يعتبر بُشرى سارة لراغبي أداء فريضة الحج من المسلمين عبر العالم، وخطوة مهمة على طريق تعزيز رؤية 2030 التي تهدف من خلال برنامج خدمة ضيوف الرحمن الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين عام 2019، إلى إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المسلمين لأداء فريضتي الحج والعمرة على أكمل وجه، والعمل على إثراء وتعميق تجربتهم، من خلال تهيئة الحرمين الشريفين، وتحقيق رسالة الإسلام العالمية، وتهيئة المواقع السياحية والثقافية، وإتاحة أفضل الخدمات قبل وأثناء وبعد زيارتهم لمكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، وعكس الصورة المشرِّفة والحضارية للمملكة في خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن. وينص البرنامج على توفير أفضل الخدمات للحجاج والمعتمرين بدءًا من تسهيل إجراءات طلب التأشيرات وإصدارها وصولاً إلى تطوير الخدمات الإلكترونية المتعلقة برحلة الحج والعمرة، وتوسيع نطاق هذه الخدمات، وذلك من خلال زيادة الطاقة الاستيعابية لمنظومة الخدمات المقدمة لهم من نقل وإقامة وغيرها والارتقاء بجودتها.
وتعتبر مبادرة طريق مكة التي أطلقت عام 2017 إحدى مبادرات وزارة الداخلية ضمن برنامج خدمة ضيوف الرحمن، استفادت منها “7” دول حتى الآن وهي: المغرب وأندونيسيا وماليزيا وبنجلاديش وتركيا وساحل العاج، والتي تهدف إلى التيسير على حجاج بيت الله الحرام، من خلال إنهاء إجراءات ضيوف الرحمن المستفيدين من بلدانهم، بدءًا من إصدار التأشيرة إليكترونيًا، وأخذ الخصائص الحيوية ومرورًا بإنهاء إجراءات الجوازات في مطار بلد المغادرة.
يُشار إلى أن وزارة الداخلية تنفّذ المبادرة بالتعاون مع وزارات “الخارجية والصحة والحج والعمرة”، والهيئة العامة للطيران المدني، وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا”، وبرنامج خدمة ضيوف الرحمن، والمديرية العامة للجوازات.
ولعل من أبرز مظاهر التطوير في برامج حج هذا العام تحويل الأفكار الإبداعية التي تم طرحها بملتقى “الإبداع والأفكار” إلى أعمال ملموسة ومنفذة على أرض الواقع لراحة ضيوف الرحمن، من خلال تبني الوزارة لهذه الأفكار، وحيث سيتم تقييم هذه الأفكار خلال موسم حج هذا العام، وتُعد كذلك نواةً للمزيد من الأفكار الإبداعية في المستقبل.
وتعتبر مبادة منصة “نسك الحج”، التي سبق أن تم إطلاقها للعمرة وحاليًا للحج؛ لتسجيل حجاج الداخل ولـ100 ألف حاج تقريبًا من حجاج الخارج من أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية واستراليا، بالإضافة إلى البطاقة الذكية والتطبيق الذكي التي من الممكن أن يطلع الحاج من خلالها على كل المعلومات المفيدة له، من أهم مبادرات الحج الجديدة، وذلك إلى جانب تجهيز العديد من باقات التوعية التي ستُنشر بمنصة “نسك”؛ بما يعكس الاهتمام بالتواصل مع الحجاج من خلال شركاتهم أو بصورة مباشرة معهم عبر القنوات المتعددة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي أو رسائل الواتس أو رسائل إس إم إس.
وتبذل المملكة جهودًا جبارة من أجل تحقيق مستويات مرتفعة من جودة الخدمات المقدمة للحجاج؛ بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، ويتواكب مع ما أنجزته الدولة في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة من مشروعات تُعد الأضخم في التاريخ.
ندعو الله -عز وجل- أن يجزل الأجر والمثوبة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ولولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- على ما يقدمانه للمسلمين من خدمات خيّرة وأعمال جليلة، وأن يُمتعهما بموفور الصحة والعافية، وأن يُديم على بلادنا نعمة الأمن والاستقرار والرخاء تحت ظل راية التوحيد وأن يبارك ويحفظ أرض الحرمين الشريفين.