المقالات

مَحطة الأبحاث والتَجارب الحَيوانية – العَمارية

لكل كيان محاور وأركان، يقوم عليها، وينهض بها، وهكذا هي جامعة الملك سعود العريقة، التي تعتبر أول صرح تعليمي تنويري في منطقة الخليج العربي، وظلت إلى اليوم مشروعًا تعليميًا وبحثيًا وتطبيقيًا وخدميًا للمجتمع والأمة، ومنارة علمٍ في سماء العالم، وأصبحت – ومما لا شك فيه – نُقطة التحول التاريخي في المسيرة التعليمية والبحثية لهذا البلد الأمين، في تحقيق أهداف وتطلعات القيادة والمجتمع، وأصبحت بكل فخرٍ رائدة في مضمارِ العلمِ والعلوم، البحث والبحوث، النظرية والتطبيق. جامعة الملك سعود العريقة تعدُّ مشعلًا حضاريًا يُضيء وينير الرؤية المنشودة، ومقومات النهضة المقصودة، لصياغة مُستقبل مُشرق مُستوعبةً كل الأفكار والثقافات والنظريات، وفق الرؤية الـمُباركة، التي تنسجم مع رسالة ديننا الحنيف، وروح العصر الحديث، مؤمنة بأهمية الاقتصاد المعرفي الحصيف، الـمَبني على التطبيق الصحيح والكثيف، والاستفادة من كل المكونات والحفاظ عليها والعضُّ عليها بالنواجذ.
ومن أهم الكليات العلمية التي لها دور كبير مما لا شك فيه، في الأمن الغذائي والمائي، وجودة الحياة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، ورفع الكفاءة الإنتاجية، ولمواجهة تلك التحديات في هذا المضمار، وتحقيق الاستقرار المعيشي، والحدِّ من التغيير المناخي، والاحتباس الحراري، ومواكبة آخر التقنيات، وآخر النظريات، انطلاقًا من رؤية صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمين محمد بن سلمان، برفع مُستوى الجامعة إلى مصافي الجامعات العالمية، عن طريق الرُقي بالأبحاث العلمية الرصينة والـمُحكمة، وتطبيق عَملي ميداني مُكثف، يهدف إلى إخراج جيل قادر على المنافسة بقوة في سوق العمل مَحليًا وعَالميًا، للنهوضِ بهذا البلد، وبهذا القطاع الحيوي، إنها كلية علوم الأغذية والزراعة، وهي الأولى على مُستوى شبه الجزيرة العربية، والـمُصنفة في المرتبة الرابعة والخمسين عالـميًا طبقًا لتصنيف شنغهاي للعام الـمُنصرم 2022م.
وتتكون الكلية من عدة أقسام، ومنها قسم الإنتاج الحيواني، أحد الأقسام الرئيسية في الكلية، والذي يعبُّر عن الشق الآخر للقطاع الزراعي، بعد قسم الإنتاج النباتي، وكلاهما مُكملان لبعض؛ فالأغذية الحيوانية لا تقل أهمية عن الأغذية النباتية، فهي مصدر للبروتين الحيواني ومصدر للحليب ومشتقاته، ومصدر للحومث الحمراء والبيضاء ومصدر للبيض، ومصدر للمنتجات الثانوية. لا يكاد تخلو الـمائدة اليوم من أحد تلك الـمُنتجات على الإطلاق؛ لأهميتها في تعزيز النمو والصحة والإنتاج والإبداع، إن قسم الإنتاج الحيواني، مُناط به في تحقيق ذلك بكل قوة واقتدار، فالقسم يهتم بأدق تفاصيل تغذية الحيوانات والدواجن، في المراحل الإنتاجية المختلفة، والبحث عن رفع الكفاءة التحويلية للأعلاف التقليدية، والبحث ايضًا عن مصادر أعلاف غير تقليدية، وبالتحسين الوراثي بهدف تعزيز ومضاعفة الإنتاج الحيواني، وبالتناسل في سبيل الإكثار من العدد وبأقل التكاليف، باستخدام التقنيات الحديثة، وبأسس التربية الحديثة، وبصحة الحيوان، ومجابهة التحديات الوبائية الـمُتعددة، وكذلك أُسس بناء المزارع بأنواعها المختلفة وإدارتها، وكيفية مواجهة الظروف البيئية، والاستفادة من المقومات الفسيولوجية لكل حيوان وتوظيفها بيئيًا وإنتاجيًا، ومجابهة التغيير المناخي، والعمل على زيادة تخصيب التربة، وإنتاج الطاقة الحيوية، والاهتمام بإنتاج اللحوم وجودتها وسلامتها وطرق حفظها وتداولها.
كل تلك المقومات التي لن تكون إلا بوجود معامل مُجهزة، وأبحاث علمية مُنتظمة، ولن تُتطبق إلا في مكان مُناسب وقريب من قبل الطلاب، جيل الحاضر والمستقبل، ومن قبل الباحثين، ومن هذا المنطلق سعت الكلية وبمباركة رئاسة الجامعة حينها، إلى إنشاء محطة الأبحاث والتجارب الحيوانية بالعمارية، قبل أكثر من عقد ونيف من الزمان، إيمانًا منها بأهمية البحث العلمي، كونه المحور الرئيس والأساسي للتطبيق والتطور وتقدم المجتمعات، وكانت هذه المحطة والمزرعة البحثية النواة الأكثر إشعاعًا التي أخرجت مئات الأبحاث الـمُتخصصة، ونالت بفضلها درجات عُليا على مُستوى الجامعة، والـمملكة، وصُنفت عالميًا، بعدد الأبحاث العلمية المتميزة الـمنشورة في هذا المجال، ونالت العديد من الجوائز المحلية والعالمية، بفضل هذه المحطة البحثية، ويقام بها أيضًا أبحاث علمية من كلية الطب والأسنان والصيدلة، والتي أصبحت مَرجعًا لخدمة المجتمع بكافة أطيافه ومُستوياته، هي بحق صرحًا لا يمكن الاستهانة به، والتقليل من شأنه، حيث تتميز بقربها من الكلية؛ ليسهل وصول الطلبة منها وإليها، والاستفادة من الوقت الثمين للمحاضرين والباحثين والعاملين عمومًا، لخصوصية العمل في المزارع الحيوانية، التي تتطلب التبكير والمزامنة والإسراع ومُجابهة الظروف البيئية المختلفة، والانتظام في التغذية والصحة، مع الحيوانات والدواجن، وأي خلل أو تأخير أو تقاعس صغير قد يؤدي إلى موت تلك الكائنات الحية، مما قد يؤدي إلى فشل الأبحاث، كما أن المحطة البحثية مُجهزة بإمكانيات لا حصر لها من الحظائرِ بأنواعها الحيوانية والداجنة، ومُجهزة بمصنعِ أعلافٍ مَركزي، وبمعمل التناسل الذي يحتوي على متطلبات إجراء عمليات التلقيح الاصطناعي، ونقل الأجنة، وبوحدة صحية بيطرية، كما أن فيها صناديق الهضم، والحظائر الـمُفردة، ووحدات تخزين الأعلاف، وتجهيزات أخرى مساعدة، وإنشاءات مُتعددة.
ومن الصعب النهوض بقسم الإنتاج الحيواني كأحد محاور هذه الجامعة العريقة، لكي تستمر عجلة الأبحاث العلمية التطبيقية الرصينة، وسهولة مُمارسة تطبيق الطلاب، وخدمة المجتمع، إلا بوجودها واستدامتها، لأهمية التطبيق العملي، في سبيل تعزيز المفاهيم النظرية، وإكساب الخبرة الميدانية الحقلية الـمَبنية على الأُسس العلمية السليمة للطلاب؛ ليصبحوا جنودًا حقيقيين مُتسلحين بالعلمِ والمعرفةِ وسلامة التطبيقْ بحسن الأداء والمنافسة.

فيصل بن أحمد الشميري

طالب دكتوراة – كلية علوم الأغذية والزراعة في جامعة الملك سعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى