إبعاد العاطفة في مجال التحليل السياسي من أبرز العوامل التي توصلك إلى توقعات ونتائج صحيحة وواقعية، عندما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية كنا نُمني النفس بأن هذه الحرب وتداعياتها سوف تؤدي إلى تغير جوهري في النظام الدولي القائم على نظام القطبية الأحادية التي تُهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية.. هذا التمني سببه هو السلوك العدواني للولايات المتحدة، ورغبتها الشديدة في المحافظة على بقائها على قمة الهرمية والتراتبية الدولية، وممارسة دور الشرطي العالمي.. لكن الواقع الموجود على الأرض تفرض علينا أن نحلل الأمور بعيدًا عن كرهنا أو محبتنا لهذا الطرف الدولي أو ذاك.
لقد كان بوتين ضحية لأفكار صديقه المقرب الإسكندر دوغن صاحب النظرية الأوراسية والذي يرى أن المجال الحيوي الروسي يتعدى الحدود الروسية؛ ليشمل دول آسيا الوسطى ودول القوقاز ودول البلطيق.. هذه الاستراتيجية الروسية تم مواجهتها بنظرية (الحفر أسفل الجدار) لبريجنسكي التي مفادها السيطرة والتواجد أسفل الجدار الحيوي الروسي في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق،
وكان أول تطبيق عملي للمنظر الروسي الإسكندر دوغن هي حث الرئيس بوتين بالسيطرة على جزيرة القرم حتى لا يمكن للغرب من خنق روسيا داخل حدودها وتم ذلك ردت أمريكا على هذه الخطوة الروسية بإستراتجية الانتشار العسكري في المجال الحيوي الروسي في آسيا الوسطى والقوقاز، وعمدت بعد ذلك إلى الخطوة الخطرة، وهي دعوة أوكرانيا إلى حلف الناتو فكانت الخطوة الأمريكية بمثابة الفخ الذي استدرجت آلية روسيا في الدخول في نزاع مسلح مع أوكرانيا من أجل تحقيق عدة أهداف منها:
الأول: حرب استنزاف لا نهاية لها بفعل الدعم الغربي والأمريكي لأوكرانيا.
الثاني: كشف قدرات الجيش الأحمر .
الثالث: إنهاك الاقتصاد الروسي.
الرابع: محاولة زعزعة الوضع الداخلي الروسي.
الخامس: كبح جماح طموح الرئيس الروسي بوتين الذي يحاول أن يمارس الدور الذي لعبه القيصر الروسي الإسكندر الأكبر بتوسيع الدور والحدود الروسية في زمن القياصرة.
السادس: إرسال رسالة للصين إذا ماحاولت السيطرة على تايوان،
واليوم نرى حركة تمرد قامت بها مجموعة فاغنر، والهدف هو ضرب الداخل الروسي فبدلًا ما كنا نُمني النفس بأن روسيا سوف تنافس أمريكا في ممارسة الدور العالمي، وتنهي نظام القطبية الأحادية، أصبحت روسيا تُدافع عن حدودها بل قد تصل الأمور إلى حد الدفاع عن الكرملين، ومهما كانت نتائج التمرد؛ فإنها بداية النهاية لروسيا الاتحادية ليلتف الغرب بعد ذلك إلى الصين في محاولة احتوائها كما نصح بذلك هنري كسينجر.
زياد الضاري