المقالات

الحج مناسك ومواقع

خرج رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم، من المدينة وأهل بالحج من ذي الحليفة بمن معه من المسلمين في رحلة إيمانية من حرم المدينة إلى حرم مكة، فنزل في وادي ذي طوى غرب مكة عند بئره المعروفة باسمه (بئر ذي طوى)، وهي معروفة قائمة محفوظة، ووادي طوى آنذاك كان آخر منازل القادم إلى مكة من تلك الناحية وأول منازل الخارج منها، فبات به -عليه السلام- وصلَّى الفجر واغتسل من بئره، ودخل مكة نهارًا من ثنية كداء (الحجون).

ودخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسجد الحرام من باب بني شيبة، والتزم الحجر وطاف بالبيت سبعًا رمل في ثلاثة أطواف ومشى أربعة، ثم صلى خلف مقام إبراهيم تاليًا (وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)، وشرب من زمزم، والتزم الحجر، وصعد إلى الصفا تاليًا: “‏ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما ومن تطوع خيراً فأن الله شاكرٌ عليم..”، وسعى بين الصفا وبين المروة سبعًا، مستقبلًا القبلة عند صعوده عليهما مكبرًا وموحدًا وجامدًا وداعيًا.
والصفا رأس من سفح جبل أبي قبيس أقرب الجبال الى الكعبة، والمروة من جبل قعيقعان، وعند الفراغ من السعي أمر -صلى الله عليه وسلم- من كان متمتعًا أن يحل دون المفرد والقارن، وكان -عليه السلام- قارنًا لأنه ساق الهدي معه، فلم يحل.

ثم نزل في الأبطح بأعلى مكة من وادي إبراهيم حتى يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة، فأهل المسلمون بالحج من مكة إلى منى، فنزل -صلى الله عليه وسلم- عند مسجد الخيف في سفح جبل الصابح الواقع جنوب منى، وصلى فيه الظهر والعصر، والمغرب والعشاء والفجر.

‏وبعد الشروق من يوم عرفة صعد إليها؛ فنزل في نمرة بسفح جبل نمرة بينه وبين عرفات وادي عرنة إلى الغرب منها، مخالفًا ما كانت عليه قريش والحمس من الوقوف في جمع، وكان قد ضرب له قبة من شعر في نمرة، وحين زالت الشمس ركب ناقته وهبط بطن الوادي وادي عرنة غرب عرفة، وصلى بالناس الظهر والعصر جمعًا وقصرًا جمع تقديم بأذان وإقامتين، وخطب بالناس فيه خطبة عظيمة أبان فيها من معالم الإسلام، ومنها حرمة الدماء والأموال والأعراض، وحرمة الزمان والمكان وأوصى بالنساء، ثم دخل عرفة ووقف بالموقف عند جبل الرحمة (إلال، النابت، القرين، جبل عرفة) عند الصخرات والجبل في قبلته، ذاكرًا شاكرًا داعيًا، وقال: “وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف”، والحج عرفة.

ونزل عليه في موقفه بعرفات عشية يوم الجمعة قوله سبحانه : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، قال بعض اليهود لو أنزلت علينا لا تأخذنا ذلك اليوم عيدًا.

وانصرف بعد غروب الشمس إلى مزدلفة في خشوع وسكينة، وسار إليها من بين المأزمين، ونزل جمع قيل في موضع مسجد المشعر الحرام أو قبلته، وصلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين جمعًا وقصرًا، وبات بها، وبعد صلاة الفجر ركب إلى جبل قزح وهو المشعر الحرام إلى جنوب المسجد، ووقف عنده ذاكرًا لله كما أمر سبحانه في قوله: (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ..)، ومزدلفة كلها موقف.

وقبل شروق الشمس حين اشتد سفر النهار سار إلى منى قاطعًا وادي محسر بعجل، ومحسر وادٍ بنصب من الشمال إلى الجنوب بين مزدلفة ومنى وليس منهما، ودخل منى من الطريق الأوسط، حتى وصل جمرة العقبة التي عند الشجرة، والعقبة لسان بسفح جبل ثبير الجنوبي أقصى شمال منى عند مفيضها للخارج من منى إلى مكة، فرماها من الوادي ومنى إلى يمينه ومكة إلى يساره، ثم نحر في المنحر بين الجمرات والخيف، وحلق، ثم أفاض إلى مكة لطواف الإفاضة والسعي، وعاد إلى منى وبات بها ليالي أيام التشريق الثلاثة، ورمى الجمار بعد الزوال من نهارها.

ثم انصرف إلى مكة ونزل يخيف بني كنانة من الأبطح، وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء وهجع هجعة من ليله، ثم طاف طواف الوداع، وصلى بالناس الفجر في المسجد الحرام، وانصرف عائدًا إلى المدينة بعد أن أتم الله له النسك، وأخذ الناس عنه عليه السلام مناسكهم.

وهي حجة الوداع التي ودع فيها أمته فقال: “خذوا عني مناسككم، فلعلكم لا تلقوني بعد عامكم هذا”، وحجة البلاغ التي أشهدهم على أنفسهم وأشهد الله عليهم أنه قد بلغ وأدى ونصح، وحجة الإسلام لأنها الحجة الوحيدة له عليه السلام بعد الهجرة وفرض الحج، وحجة التمام والكمال لنزول آية كمال الدين، وتمام النعمة من الله سبحانه على عباده المؤمنين.

– أستاذ كرسي الملك سلمان بن عبد العزيز
لدراسات تاريخ مكة المكرمة بجامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى