نسب الشيخ محمد بن صالح الشاوي في كتابه حكم مختارات من عيون الشعر والأدب (44) لأبي العلاء المعري قوله:
كلُّ مَن لاقيتُ يَشكو دهرَه ::: ليتَ شِعري هذه الدنيا لمَنْ؟
ومما نُسِبَ إلى المعري أيضًا قوله:
هذه الدنيا لمن طلقها ::: وارتضى منها بعيش وكفن
وورد في بعض الأخبار “إنَّ هذه الدنيا دار الْتِواء لا دار اسْتِواء، ومنزِل تَرَحٍ لا منزل فرح، فَمَن عرفَها لم يفْرَح لِرَخاء، ولم يحْزن لِشَقاء،”.
الكل يشكو همه في هذه الدنيا منذ خلق الله الأرض ومن عليها، فالغني يشكو، والفقير يشكو، والمريض يشكو، والصحيح كذلك، ومن وهبه الله ذرية، ومن حرم منها أيضًا، ومن هو يعمل ومن ليس له عمل؛ الكل يشكو تصديقًا لقوله تعالي: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) (البلد: ٤).
لا يزال في الذاكرة عند ما كنت طالبًا في جامعة وسط ويلز في نهاية التسعينيات من القرن الميلادي الماضي، كنت أُعاني من بعض المشاكل في الدراسة ومرض الأبناء من شدة برودة الطقس وفقد الأحباب، فالتقيت بزميل مصري كان يدرس معنا في الجامعة نفسها، وشعر وقتها أنني في هم وغم، وبعد ما شرحت له ما أحمله من هم بدأ يسرد لي ما لديه من هموم وجدتها أكثر بكثير مقارنة بما أحمله من هم، ومع ذلك كان صابرًا شاكرًا ولله محتسبًا؛ ذكر لي قصة عجيبة فيها الكثير من العبر تدل علي أن الفرد المؤمن يجب عليه الصبر علي الابتلاء، لأن غيره قد يكون ابتلاؤه أعظم، وقص علي القصة التالية: “هناك عمدة لأحد القري نمي إلى علمه أن أبناء قريته يشتكون من هموم الدنيا التي يحملونها، طلب من أبناء قريته التواجد في سوق القرية وكلٌّ منهم يحمل همَّه، وأن يصطفوا في صف واحد، ويضع كل فرد منهم همه أمامه، وطلب من كل فرد منهم أن يمرّ َعلي الجميع ويختار أسهل هم لدى أيّ فرد من الموجودين، ويترك همه مكانه، وبعد الانتهاء سأل كلّ واحد منهم إن كان اختار همًّا من هموم الآخرين؟ فكانت النتيجة أن الجميع رضي بما قسم الله له من هم، وأن ما يحمله من همٍّ أصغر مقارنة بالآخرين”، وزاد أن قال عبارة جميلة (تذكر أنها دنيا)! هذه القصة تبين أن المرء يجب عليه أن يحمد الله على ما ابتلاه، وأن يتذكر أن غيره قد يكون أكثر ابتلاءً منه وعندها تصفو النفوس وتكون القناعة التي هي كنز لا يفني، وروى عنه صلى الله عليه وسلَّم أنه قال: ” انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم”.. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
0