الحج إلى بيت الله الحرام نسك افترضه الله على عباده المسلمين، قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) (آل عمران: 97)، وهو ركن من أركان الإسلام فرض على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأخذ الناس عن نبي الله عليه السلام مناسكهم في حجة الوداع.
وقد اختلف في بناء البيت فقيل أول من بناه الملائكة، وقيل آدم، وقيل شيث بن آدم، والثابت بنص القرآن بناء خليل الله إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل، قال تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ) (الحج: 26)، وقال سبحانه: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ..) (البقرة: 127).
والمسجد الحرام هو أول مسجد بني لعبادة الله في الأرض، قال الله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ..)(آل عمران: 96).
وبعد أن بنيت الكعبة المشرفة، أمر الله خليله أن يُنادي في الناس بالحج، قال تعالى: (وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍۢ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍۢ) (الحج: 26).
ثم لما بوأه الله لإبراهيم، وبناه، وأذن في الناس بالحج، حجه عليه السلام، وقد أرشده جبريل إلى المناسك، وكان من أمره ما عُلم من قصة الرجم، ورؤيا ذبح ابنه إسماعيل، وفدائه بذبح عظيم، وعن ابن إسحاق: كان إبراهيم -عليه السلام- يحج كل سنة على البراق، وحج بعده الأنبياء والأمم، ولم يبقَ نبي إلا حجه.
ويروى أن أنبياء الله حجوا البيت العتيق، بدءًا من آدم -عليه السلام-، حيث روي أن آدم حج فلقيته الملائكة فقالوا برَّ نسكك يا آدم، كما روي لقاءه بحواء في حجه.
وذُكر أن نوحًا حجه، ثم أصاب البيت ما أصاب الأرض من الطوفان، فكان موضع البيت ربوة حمراء، فقيل: لم يبعث الله نبيًا بعد إبراهيم إلا حجه، وقيل: حج أنبياء الله كلهم إلا هودًا وصالحًا.
ويروي أن خمسة وسبعين نبيًا حجوا البيت، وعن ابن عباس، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “صلى في مسجد الخيف سبعون نبيًا، منهم موسى كأني أنظر إليه وعليه عباءتان قطوانيتان وهو محرم على بعير من إبل شنوءة، مخطوم بخطام ليف له ضفران” .
وقال -عليه السلام-: “لقد مرَّ بالروحاء سبعون نبيا فيهم نبي الله موسى -عليه السلام- حُفاة عليهم العباء يؤمون بيت الله العتيق”.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: “والذي نفسي بيده ليهلنَّ ابن مريم بفج الروحاء حاجًا أو معتمرًا أو ليثنينهما”، وذلك بعد نزوله من السماء آخر الزمان وقتله الدجال.
إنه بيت الله الحرام المحج والمعتمر والقبلة، وهاهي دولتنا السعودية المباركة يتشرف ملوكها ومواطنوها بخدمة حجاج بيت الله الحرام، وقد هيأت المملكة الحرمين الشريفين لاستقبال آمين البيت العتيق من سائر أقطار الأرض، بأعظم عمارة وأجود خدمة، في أمن مستتب ويسر ورخاء وحسن ضيافة، وقد حقق الله لهذا البيت في ظلها وحمايتها ورعايتها، الأمن والطهارة، التي أمر الله بها خليله وابنه إسماعيل في قوله سبحانه: (.. وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة: 125).
– أستاذ كرسي الملك سلمان بن عبد العزيز
لدراسات تاريخ مكة المكرمة