افتخر أهل مكة حتى بداية القرن الخامس الهجري باستقبال الحجاج في دورهم من غير أجر، فلما ضعفت الخلافة العباسية وقلت الأعطيات التي كانت ترسل من قبل الخلفاء إليهم بدأوا يطلبون أجرًا عن سكن الحجاج في دورهم مما دفع أثرياء المسلمين من تجار وأمراء ووزراء وسلاطين إلى بناء أربطة فـي مكة المكرمة؛ ليأوى إليها الفقراء والحجاج والمنقطعون وطلاب العلم والمجاورون للحرمين الشريفين من كافة الأجناس في شتى أنحاء العالم الإسلامي حتى الوقت الحاضر رغم الجانب السيئ لها من أنها مأوى للمتسولين والمتنطعين.
والملاحظ على تلك الربط أن بعضها كان موقوفًا على كافة المسلمين من كافة الأجناس والمذاهب وبعضها كان موقوفًا على الرجال والآخر على النساء، وبعضها كان وقفًا على طائفة الصوفية أو على أحد المذاهب الإسلامية، والبعض خاص بجنس معين من الناس، وبعضها خاص بالغرباء والمجاورين.
وكان واقف الرباط يوقف عليه أحيانًا بعض الدور أو الضياع أو الأماكن التي تدر مالًا للإنفاق عليه كما ألحقت به بعض خزائن الكتب الصغيرة؛ ليتلقى المجاورون فيها بعض العلوم.
بذلك يتحقق لنا أن هناك علاقة متينة ووثيقة بين إنشاء الأربطة والحجاج القادمين إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج وكذلك لطلاب العلم المجاورين أيضًا في مكة، وكان إنشاء هذه الأربطة نتيجة حتمية لا بد منها، إذ إنها توفر جميع سبل الراحة لطلاب العلم وللحجاج المقيمين فيها أثناء موسم الحج من مسكن ومأكل ومشرب مما أدى إلى تسابق وتنافس كثير من المجاورين على سكانها، وكان كل رباط يقسم إلى غرف، ويضم أيضًا بئرًا تمد الساكنين بالماء، ومطبخًا لتقديم الأطعمة لساكنيها. كما قدمت خدمات أخرى حسب ما تنص عليه الوقفيات التي رصدها أصحابها للإنفاق على الأربطة.
كما امتازت هذه الأربطة بقُربها من الحرم المكي الشريف، التي تم في عصرنا الحاضر نزع ملكياتها لصالح التوسعة للمسجد الحرم المكي.
0