المقالات

التطوّع في خدمة ضيوف الرحمن!!

لقد خَلَقَ اللهُ هذا الإنسانَ كائنًا اجتماعيًّا، لا تَصِحُّ معيشتُهُ مُنفردًا، ولا تَستقيمُ لهُ حياةٌ مع العُزْلةِ، فخَلَقَ له من نفسِهِ زَوجًا ليَسْكُنَ إليها، وجَعَل بني جنسِهِ شُعُوبًا وقبائلَ ليتعارَفُوا، وعلّمَهُ البيانَ ليكونَ أداةَ التواصُلِ، وسَبيلَ التفاهُمِ.

ومعَ هذهِ الحياةِ الاجتماعيَّةِ ركَّبَ فيه نوازعَ الخيرِ، فجَعَلَهُ مفطورًا على غوثِ الملهوفِ، وإعانةِ المحتاجِ، وجَبْرِ الكسيرِ، ومساندةِ الضعيفِ.

تلكَ هي فطرةُ الإنسانِ السويِّ، وإنّما يشِذُّ عنها مَنْ حادَ وانحرف.

وقد بعثَ اللهُ الغُرابَ ليُواريَ سوأةَ هابيلَ، ليُعِلِّمَ الإنسانَ منذُ كينونتِهِ الأولى كيفَ يتطوَّعُ لخدمةِ أخيهِ الإنسانِ حتى بعدَ موتِهِ، فضلًا عن حياتِهِ.

تلكَ الروحُ التي تشدُّ الإنسانَ لخدمةِ أخيهِ الإنسان، لا لمصلحةٍ دنيوية، بل لذاتِ المساعدةِ، وابتغاءَ أجرِ الآخرةِ هي من مقتضياتِ الإنسانيةِ الحقةِ.

ولمّا جاء هذا الدينُ العظيمُ احتفى أعظمَ الحفاوةِ بهذا العملِ الإنسانيِّ التطوُّعيّ، وأعطاه بُعدًا عِباديًا حين جعله صدقةً، وقرنَهُ بالخُطى إلى الصلاةِ.
ولقد ارتبط تاريخ الحج عند المسلمين، بصعوبة الرحلة ومشاقها، إذ كان كثيرون يموتون في الطريق إلى الحج أو في طريق العودة منه بعد انتهاء فريضة الحج، ضمن القوافل الآتية لزيارة الحرمين الشريفين من بلدان بعيدة، وكذلك الجهد الجسدي الكبير الذي يتطلبه أداء الفريضة من الصعود إلى جبل عرفات، ورمي الجمرات، والحرارة العالية، وضربات الشمس، إلى جانب أخطار التدافع بسبب الأعداد الكبيرة من الحجاج.
بالطبع لم يعد الأمر كذلك اليوم، مع تسهيلات النقل والسفر والإقامة والخدمات التي تقدمها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده-حفظهما الله-.
وبالنسبة للكثير من الناس قد يكون موسم الحج مناسبة للكسب المادي، ولكن بالنسبة لعدد غير قليل من أبناء المملكة العربية السعودية، ومكة المكرمة على وجه الخصوص، هي فرصة للتطوع في العمل الإنساني العظيم لخدمة ضيوف الرحمن القادمين بغرض الحج والعمرة، وكذلك اكتساب خبرات، وعيش تجربة روحانية فريدة، في تسهيل مهمة يراها كثيرون من أبناء المملكة أنها مهمة مقدسة.
لقد اصبح الحج تحديًا كبيرًا ليس فقط للحجاج القادمين لأداء الفريضة، بل لشريحة من الشبان والشابات السعوديين الذين يشاركون بالتطوع الميداني في أيام الحج لمساعدة طيوف الرحمن في أداء نسكهم.
تنسق كل تلك الجهود المنصة الوطنية للعمل التطوعي، إذ تضمنت رؤية ولي العهد-يحفظه الله- هدف رفع عدد المتطوعين من 11 ألف في عام 2016 إلى مليون متطوع بحلول عام 2030.
حمى الله المملكة وقيادتها وشعبها من كل سوء ومكروه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى