في مقال سابق لكاتب هذه السطور، حثيت طرفي النزاع في السودان على ضرورة استثمار مشروع المصالحة الذي تبنته المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وعُقدت له عدة اجتماعات في مدينة جدة من أجل التهدئة وتخفيف حدة الصراع والخروج من المأزق، ولكن للأسف لم يكن هناك استجابة لصوت العقل ولا لمجهودات المصلحين، مما اضطر المصلحون السعودية وأمريكا إلى تأجيل وإلغاء المجهودات واللقاءات طالما هي لم تُقابل بالالتزام من قبل طرفي النزاع في السودان ..
ولهذا يبدو أن السودان سيدخل في متاهات ومواجهات لا أحد يعلم نهايتها، ومما يدل على أن الحرب في السودان هي حرب كسر عظم بين قائدين عنيدين، لتحقيق مصالحهما الشخصية على حساب المصلحة العامة للسودان، ما أعلنه حميدتي يوم ثمانية ذو الحجة من هدنة مؤقتة لوقف إطلاق النار من طرف قوات الدعم السريع ليوم عرفة ويوم العيد الأول، وما أعقب ذلك من تبرؤ البرهان من تلك الهدنة وعدم مشاركته فيها، ثم تلى ذلك في منتصف ليلة يوم عرفة وقبل فجر يوم العيد، بأن أعلن البرهان من طرفه هدنة مؤقتة ليوم العيد الأول !!
وهذا دليل أكيد على تخبط القائدين ومحاولة كل منهما الاستئثار بالأمر حسب ما يراه لوحده دون التقيد بما يقوله الآخر !!
وبالتالي نعيد التأكيد، بأن حربهما حرب عناد وإثبات وجود بين شخصين فقط يتقاسمان السلاح والأتباع من المحاربين !!
ومما زاد الطين بلة، أن البرهان أعلن في خطابه الأخير دعوته لمن يستطيع حمل السلاح من الشباب السوداني سرعة الانضمام للجيش السوداني للمشاركة في القتال ضد قوات الدعم السريع، هذه الدعوة في حد ذاتها هي كمن يصب الزيت على النار، في وقت حرج لا يحتمل مثل هذا التصعيد الخطير بين أبناء الشعب الواحد، فكان يُفترض أن تكون الدعوة للعودة إلى طاولة المفاوضات واستئناف المسار الديمقراطي الذي كان سائدًا قبل اندلاع المواجهة في الخامس عشر من شهر إبريل المنصرم، بدلاً من تأجيج الحالة وتصعيد المواقف وإشعال الانفجار في السودان ..
ولا شك أن جميع دول العالم والمنظمات الدولية والإنسانية، تُنادي جميعًا بالتهدئة والعودة للمفاوضات السياسية كحل ناجح للصراع في السودان، وتنفي صلاحية الحل العسكري وعدم جدواه بين المتحاربين، ولكن لا حياة لمن تُنادي، فكل قائد متمسك برأيه ومعتمد على سلطته وقوته العسكرية في مواجهة الآخر، دون حساب للشعب السوداني وما ستؤول إليه مواقفهما المتصلبة من إحداث الضرر والزعزعة لأمن واستقرار السودان، أتمنى أن يراعي ذلك القائدان ويستمعا إلى صوت العقل، ويغلبا المصلحة العامة للدولة السودانية وشعبها العظيم.
0