مَا زال النَّاس يتوافدون لِلْحجِّ مِن كُلِّ أَرجَاء الدُّنْيَا مُنْذ نَادَى نَبِي اَللَّه إِبْراهيم النَّاس لِلْحجِّ ، وَأذِن اَللَّه لِنبيِّه مُحمَّد – صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم – بِالْحجِّ فِي اَلسنَة العاشرة مِن الهجْرة وحجَّ معه بشر يزيدون عن اَلمِئة أَلَّف ، ولم تَنقَطِع قَوافِل اَلحُجاج مِن تِلْك اَلسنَة إِلَّا فِي أَعوَام مَعدُودة لِبَعض الظُّروف السِّياسة ، وتتابع اَلحُكام والْملوك على الإشْراف على أَدَاء هَذِه الشَّعيرة بِأنْفسهم وَعلَى خِدْمَة اَلحُجاج والزُّوَّار وَتأمِين طَرقهِم واحْتياجاتهم ، وَكَان اَلحُجاج يَأتُون لِلْحجِّ ضِمْن قَوافِل تَحملِهم إِلى مَكَّة بِمَا يُشْبِه حَمَلات اَلحَج فِي هذَا الزَّمن ؛ وَلكُل أُمَّة مِن النَّاس مُطوِّف يَتَعهَّد بِخدْمتهم والْإشْراف عَليهِم مُذ وُصولِهم لِمَكة حَتَّى عَودتِهم إِلى دِيارِهم . ولَا يَكُون تَبدِيل هذَا اَلمُطوف أو شَكْواه بِالْخيار اَلمُتاح، لِعَدم وُجُود اَلبدِيل المناسب ولكوْن الشِّكاية لَا تُسمَع! وَإذَا سُمعَت فلن تُغيِّر شَيْء. حَتَّى أَظلَّت الممْلكة العربيَّة السُّعوديَّة بِظلالهَا الوارفة على الجزيرة العربيَّة ، ونظَّمتْ شَأْن اَلحَج وجعلتْ لَه وِزارة تَختَص بِه بل ولم يَعرِف فِي التَّاريخ تطوُّرًا فِي تَنظِيم أُمُور اَلحَج ، وإحْسَانا لِمشاعره المباركة وَخِدْمَة للْحجيج بِمَثل اَلذِي نعيشه اليوْم ، فَكَان مِن أَبرَز مَعالِم هذه التَّنْظيمات : أنَّه لَا يَسمَح لِلْمواطنين ولَا لِلْمقيمين بِالْحجِّ إِلَّا عن طريق المؤسَّسات والشَّركات اَلمُرخص لَهَا وَبُعد اَلحُصول على تَصارِيح حجِّ مِن اَلجِهة المخْتصَّة بِوزارة الدَّاخليَّة ، ولَا يَجُوز لِحملَات اَلحَج المرخَّصة بِتقْدِيم الخدْمات لِحجَّاج الدَّاخل التَّعاقد مع القادمين إِلى الممْلكة الَّذين لَا يحْملون إِقامة نِظامِيَّة . كمَا لَا يَجُوز لَه التَّعاقد مع رَاغبِي اَلحَج مِن خَارِج الممْلكة إذ لهم حملاتهم الخاصة. وَيجِب أن يَكُون الاتِّفاق بَيْن اَلْحاج وبيْن حَملَة اَلحَج بِعَقد مَكتُوب تَحْت إِشرَاف الوزارة، وَيجِب أن يَتَضمَّن هذَا العقْد مُفردَات الخدْمات اَلتِي تُقَدمهَا حَملَة اَلحَج لِلْحَاج. وَيكُون هذَا العقْد هُو الفيْصل عِنْد الاخْتلاف أو تَقصِير حَملَة اَلحَج فِي تَقدِيم الخدْمات لِلْحَاج. وَمِن أهمِّ اِلتزامات حَمَلات اَلحَج تُجَاه اَلْحاج اَلتِي تَجِب عليْهَا بِمجرَّد تَعاقُد اَلْحاج مَعهَا ويترَتَّب على مُخالفتهَا الغرامة أو شَطْب التَّرْخيص مَا يَلِي:
1. أن تَقُم بِخدْمة اَلحُجاج بِأمانة وإخْلَاص وأن تُؤدِّي الخدْمات المطْلوبة مِنْه وفْقًا لِأحْكَام وَأنظِمة وِزارة اَلحَج ومَا نَصَّت عليْه اَلعُقود المبْرمة مع اَلْحاج.
2. عدم التَّعاقد مع أَعدَاد مِن اَلحُجاج تزيد عن الطَّاقة الاسْتيعابيَّة لِلْمواقع المخصَّصة لِحمْلة اَلحَج فِي مَشاعِري عَرَفات وَمنَى.
3. يَجِب أن تَكُون تعاقداتهَا المبْرمة مع اَلحُجاج مِن خِلَال المنَصَّة الرَّسْميَّة اَلتِي تَجمَّع جميع الحملات الدَّاخليَّة تَحْت إِشرَاف وِزارة اَلحَج ” نُسُك “.
4. أن يَكُون التَّعاقد بِصورة فَردِية مع كُلِّ حاجِّ حسب نَمُوذَج العقْد اَلمُوحد المعْتمد مِن الإدارة المخْتصَّة ووفْق اَلآلِية المعْتمدة فِي إِدخَال بيانَات اَلحُجاج والتَّعاقد مَعهُم مِن خِلَال الرَّبْط عَبْر الشَّبَكة الإلكْترونيَّة.
5. ِاستِلام المواقع المخصَّصة لَهَا بِمشاعري مِنى وعرفَات وَفْق المواعيد المحدَّدة.
6. تَأمِين الحراسة اللَّازمة على مَداخِل المواقع على مَدَار السَّاعة بِزيٍّ مُوحَّد وَعدَم السَّمَاح لِغَير اَلحُجاج المتعاقد مَعهُم الدُّخول إِلى مَواقِع اَلشرِكة أو المؤسَّسة المخصَّصة لَهَا بِالْمشاعر المقدَّسة.
7. تَأمِين عِمالة كَافِية بِزيٍّ مُوحَّد لِلْقيَام بِواجبات النَّظافة ومتطلَّبات الخدْمة وَذلِك بِواقع عَامِل لِكلِّ ثَلاثِين حاجًّا على الأقلِّ.
8. الالْتزام بِقواعد الأمْن والسَّلامة المنْصوص عليْهَا فِي تعْليمات الدِّفَاع المدَنيِّ لِلْمواقع بِالْمشاعر المقدَّسة مع عدم غَلْق الممرَّات المؤدِّية لِأبْوَاب الطَّوارئ واسْتخْدام الأقْفال البلاسْتيكيَّة.
9. الالْتزام بِحدود المواقع المسْلمة لحملة الحج وَعدَم إِزالة أيِّ أَسوَار أو فَواصِل مع عدم عمل أيِّ أَحدَاث أو إِضافَات أو تعْديلات بِالْمواقع المسْلمة لَه بِمشْعر مِنى إِلَّا بَعْد التَّنْسيق مع اَلجِهة المعْنيَّة والْحصول على إِذْن بِذَلك.
10. عمل بِطاقَات تعْريفيَّة لِجميع حُجَّاجه مُوَضحا بِهَا اِسْم اَلْحاج ورقْم تصْريحه لِلْحجِّ وعناوين مَواقِع اَلمُرخص لَه بِالْمشاعر المقدَّسة مع عمل بِطاقَات تعْريفيَّة لِجميع العاملين لَديْه تَشتَمِل على الاسْم والْوظيفة اَلمُكلف بِهَا كُلُّ مِنْهم.
11. الالْتزام والتَّقيُّد بِجميع التَّعْليمات المبلِّغة لَه مِن الإدارة المخْتصَّة. وَفِي جميع الأحْوال تَعُد حَملَة اَلحَج مَسؤُولة أَمَام الجهَات المخْتصَّة عن تَقدِيم جميع الخدْمات المطْلوبة لِلْحجَّاج المسجَّلين لَديْهَا، والْوفاء بِالالْتزامات وفْقًا لِلْعقود اَلمُتفق عليْهَا، وَتوفِير مَا يُساعدهم على أَدَاء نُسكهم بِيسْر وَسهُولة. والْحَاج هُو المساهم الأوَّل فِي تَطوِير الخدْمات المقدَّمة لَه مِن حَمَلات اَلحَج وَذلِك مِن خِلَال نَقْل تجْربَته لِلْجهَات المخْتصَّة عَبْر قنواتهَا المتاحة لِذَلك حَيْث تُوجَد لَجنَة رَئِيسَة مُخْتصَّة فِي وِزارة اَلحَج لِلنَّظر فِي شكاوى حُجَّاج الدَّاخل ومخالفات حَمَلات اَلحَج لِلْأنْظمة واللَّوائح. وَذلِك فِي الفتْرة مِن غِرَّة ذِي اَلحُجة وَلمُدة (سِتِّين يوْمًا) مِن كُلِّ عامٍ وَيكُون مقرُّهَا في وِزارة اَلحَج بِمَكة المكرَّمة، بِالْإضافة إِلى وُجُود خَمْس لِجَان تَحقِيق فَرعِية مُرتبطَة بِاللَّجْنة الرَّئيسيَّة: تَتَولَّى التَّحْقيق فِيمَا يُحَال إِليْهَا مِن هَذِه اللَّجْنة الرَّئيسيَّة والْوقوف على المخالفات اَلتِي ترى اللَّجْنة الرَّئيسيَّة اَلوُقوف عليْهَا ومعاينتهَا على الطَّبيعة وَتوثِيق المخالفات إِنَّ وَجدَت، وترْفع تِلْك اللِّجَان نَتائِج التَّحْقيق لِلَّجْنة الرَّئيسيَّة. ولَا بُد لِكلِّ حاجِّ تَضرُّر مِن حَملَة اَلحَج اَلتِي تَعاقَد مَعهَا أن يُقدِّم شَكْواه قَبْل يَوْم الخامس عشر مِن شَهْر مُحرَّم لِلْعَام اَلذِي حجِّ فِيه؛ إِذ يَعتَبِر هُو آخر مَوعِد لِاسْتقْبال شكاوى اَلحُجاج. وَيكُون تَقدِيم الشَّكْوى عن طريق قَنَوات وِزارة اَلحَج المخْتلفة المتاحة بِالاتِّصال أو الإرْسال. مع أَهَميَّة الإشارة إِلى أَنَّه يَحِق لَمِن صدر بِحَقه قَرَار مِن اللَّجْنة اَلمُشار لَهَا سابقًا يَقضِي بِمعاقبته؛ الاعْتراض لَدى دِيوان المظالم خِلَال سِتِّين يوْمًا مِن تَارِيخ إِبْلاغه بِمَا صدر بِحَقه سَوَاء عن طريق الإدارة المخْتصَّة بِالْوزارة بِالنِّسْبة لِلْمرَخَّص لَهُم أو إِمارة المنْطقة التَّابع لَهَا المخالف بِالنِّسْبة لِغَير اَلمُرخص لَهُم. وَمِن الأفْضل لِوزارة اَلحَج أن تَدرُس آليَّة أن تَكُون لَهَا السُّلْطة فِي إِعادة المبالغ المدْفوعة أو جُزْء مِنهَا لَمِن تَعاقَد مع حَملَة حجٍّ ولم تُقدِّم لَه الخدْمة الموْصوفة فِي العقْد، وَيكُون ذَلِك بِخَصم قِيمة الخدْمة اَلتِي لَم تُقدّم وإعادته لِلْحَاج وَعدَم الاكْتفاء بِفَرض الغرامة فقط أو إِحالة اَلْحاج لِلْمحْكمة المخْتصَّة لِطَلب إِعادة قِيمة مَا بَذلَه دُون حُصوله على مَا يُقابِله. بِالْإضافة إِلى أنَّ تَوضِيح آليَّة الشَّكْوى وَجَدوهَا والْفعَّاليَّة فِي التَّجاوب مَعهَا يُعزِّز الشَّفافيَّة ويحقِّق الرِّضَا لِلْمسْتفيدين مِن خِدْمَات الحملات. خِتامًا إِنَّ مُعَالجَة شَكوَى اَلْحاج بِسرْعة وفعَّاليَّة تُسَاهِم مِن جَودَة الخدْمات المقدَّمة لِلْحجَّاج وتحْفظ حُقوقَهم بِمَا يليق بِهَذه الشَّعيرة العظيمة.
– محام ومستشار قانوني