المقالات

الملك ما نسا موسى ورحلته إلى الديار المقدسة!!

أجمع المؤرخون على أن أغنى أغنياء البشر على مدى العصور المؤرَّخة ليس بيل جيتس أو ورين بافيت أو عائلة الروكافيليرز أو حتى الروثتشايلد، بل ملك مُسلم من ملوك أفريقيا يُسمى “ما نسا موسى الأول”، يحكى أن ثروته تُقارب 400 مليار دولار بمعيار وقتنا الحاضر.
كان ما نسا موسى المولود عام 1280م ملكًا لمملكة مالي وعاصمتها (نياني) في وسط غرب أفريقيا في الفترة (1312م -1337م)، وكان عالمًا إلى جانب حنكته السياسية. كانت مملكة مالي في حقبته مركزًا للازدهار والتجارة ومنارة للعلم في القارة الأفريقية، في الوقت الذي كانت أوروبا تغط في عصور الظلام.
كانت (تمبكتو) في مالي حينها عاصمة التجارة الأفريقية وملتقى القوافل، وكانت أسواقها تشتهر بتجارة الذهب؛ وكانت حصة مالي منها تقارب الـ50% من إجمالي حجم سوق الذهب آنذاك، كما كانت أسواق مالي لها الحصة العظمى أيضًا من تجارة الملح؛ الذي كان من أغلى السلع في ذلك الوقت.
أدى كل هذا لنهضة حضارية وعلمية وإنسانية كبرى، ومن الشواهد على ذلك إنشاء “ما نسا موسى” لجامعة (سان كوري) كمركز للعلم في أفريقيا ومسجد (جنجو يريبر) الشهير وكلاهما قائم إلى وقتنا الحاضر. وقيل: “إنه كان يبني جامعًا كل جمعة”.
قام “ما نسا موسى” برحلته التاريخية الشهيرة للحج سنة 1324م، ففي قافلة ملكية ضمّت -بحسب المؤرخين- ما يقارب المئة بعير محملة بما يقارب المئة وستة وثلاثين كيلوغرامًا من الذهب لكل بعير وستين ألفًا من الحرس واثنى عشر ألفًا من العبيد جميعهم يحملون عصا مصنوعة من الذهب.
بدأ رحلته للحج من عاصمته (نياني) متجهًا إلى مدينة (ولاتا) في موريتانيا ثم (توات) بالجزائر ومن ثم أكمل زيارة شهيرة إلى (القاهرة) استقبله فيها السلطان المملوكي الملك الناصر بحفاوة بالغة، حتى وصل إلى (المدينة المنورة) و(مكة المكرمة)، وأقام فيها المناسك وأغدق من الخيرات على أهالي تلك المدن التي زارها بإسهاب، لدرجة أن سعر الذهب بالعالم انخفض بسبب ما أُنفِقَ في رحلة الحج تلك، ولكثرة ما وزع الحاج “ما نسا موسي” من ذهب على طول الرحلة، أدخل ذلك اقتصاد العالم أجمع في حالة من التضخم السريع.
وذكر المؤرخ العربي العمري أن “ما نسا موسى” اضطر في نهاية رحلة الحج تلك للاقتراض لنفاد كمية الذهب التي كانت معه، مضيفًا (والكلام للعمري)، أنه وجد حين زار القاهرة بعد زيارة “ما نسا موسى” باثنى عشر عامًا أن القاهريين مازالوا يحكون عن تلك الزيارة، لما أغدق على فقرائهم ومحتاجيهم من ذهب وخيرات وصدقات.
توفي الملك “ما نسا موسى” عام 1337م، بعد أن أصبحت عاصمته تمبكتو بجنوب غرب النيجر مركزًا لتجارة الذهب وتعليم الإسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى