من الشخصيات الوطنية السعودية معالي د. بكري معتوق عساس الذي ينطبق عليه ما قيل عن “الشخصية الوطنية بأنها شخصية غير انتهازية، معتدلة في أطروحاتها الفكرية، متفانية بواجباتها الوطنية، متبعة لمنهج دولتها البناء، مؤمنة يقينًا بوطنها، مخلصة حقيقة لقادتها وولاة أمرها. ومدافعة بدمها ومالها عن مصالح وطنها، صادقة بولائها في الخفاء كما في العلن”.
حقق الكثير من النجاحات خلال ترأسه لجامعة أم القرى لمدة 8 سنوات متتالية، انطلاقًا من حبه لوطنه وحبه للقيم والمبادئ التي يتشبث بها أبناء هذا الوطن المعطاء بكل فخر واعتزاز. وقد كان شخصية مؤثرة على من حوله من خلال تعامله الراقي حيث يشهد له من عمل معه بالخلق الرفيع، وبالأدب الجم الذي يأسر القلوب، وذلك لتواضعه مع الكبير والصغير متجاوزًا بذلك كل الحواجز الاجتماعية المصطنعة، كما أنه محاور ناجح، يلتزم بأدب الحوار في الاستماع والحديث، بعيدًا عن الجدال العقيم ملتزم بالأدب والتواضع، ويعيش قريبًا من هموم مجتمعه، وجعل الله له القبول والاحترام والتقدير من الجميع مما جعله يتخطى كل العقبات. ومعالي د. بكري عساس شخصية تمتاز بالانفتاح، والاعتدال، والأصالة، والمعاصرة، والابداع، والتجديد، وله ضمير حي يعتمد على منظومة من القيم التي اكتسبها من دينه ومجتمعه، وجسدها في سلوكه، ورغم تخصصه في الإحصاء لغة الأرقام، إلا أنه حيوي، مبدع، محب للتجارب الجديدة، وبقدرة على مواجهة التحديات الجديدة، بشخصية مرحة، مستفيدة من كل جوانب الحياة.
وهو كشخصية أكاديمية تعمل في البحث والتدريس والإدارة، والكتابة الصحفية نظرًا لاهتمامه بقضايا التراث الإسلامي واعتزازه به من خلال كتاباته الصحفية في صحيفة مكة الإلكترونية؛ حيث نشرت له سلسلة من المقالات الصحفية المتنوعة والمختلفة تنقل خلالها في الماضي وعاصر الحاضر وتنبأ بالمستقبل. وباعتباره من أهل مكة فقد تناولها بعدة مقالات رصينة عن مكة في كل العصور؛ ومن مقالته عنها المقالات التالية: “عند بيتك المحرم” فكتب عن مكانته التاريخية والمعاصرة وما قيل عن مكة في كتب التراث الإسلامي شعرًا ونثرًا، وقدسيتها وحرمة أرضها، وفضائلها “بنقاء أرضها من العصيان، والعدوان، والاضغان. أمَّا العصيانُ فقد قال سبحانه: (ومَنْ يُردْ فيه بإلحادٍ بظلمٍ نذقْهُ من عذابٍ أليمٍ) (الحج: ٢٥)، والإلحادُ معناه الشركُ واستحلالُ الحرامِ وسائرُ المنكراتِ. بل قال بعضُ أهل العلمِ: “من همَّ بسيئةٍ في مكةَ أذاقه الله العذابَ الأليمَ وإنْ لم يفعلْها”! [انظر: تفسير ابن كثير].
وأما العدوانُ فقد جعلها ربنا حرَمًا حرامًا، فحرَّم القتالَ فيها، وأما الأضغانُ فقد كان قولُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يوم دخولِهِ مكةَ: (اذهبوا فأنتم الطلقاءُ) مؤذنًا بأنَّ مكةَ ليستْ للأحقادِ، ولا لتصفيةِ الحساباتِ، ثمَّ إنَّ الله شرَعَ اجتماعَ المسلمينَ فيها من الآفاقِ إخوةً متساوينَ، ليملأ قلوبَهم حبًا، ويطهرَها من الحقدِ والكُرْهِ”.
وفي مقالة “قصة قصيدة للزمخشري!!” حيث تناول حب أهل مكة لها فذكرت قصة رموز الأدب والإعلام في المملكة الأستاذ طاهر زمخشري عندما كان في القاهرة في الخمسينيات من القرن الماضي ودخل شهر الحجة وهو هناك فعبر عن شوقه بقصيدة رائعة عن مكة. وفي مقال “مثابةً للناس” “من الأوصافِ القرآنيةِ لمكةَ المكرمةِ أنَّ الله جعلها (مثابةً للناسِ)، قال سبحانه: ((وإذْ جعلنا البيتَ مثابةً للناسِ وأمناً))”. حيث يشتاق الناس لزيارتها للعمرة والحج مرارًا وتكرارًا، ولذلك “فإنك حينَ تستعرضُ البيوتاتِ المكيةَ قديمها وحديثها فإنّكَ تجدُ من كلِّ عرقٍ ولونٍ. والتركيز على هذه (المثابة) أو (المرجعية) جعل من المملكة العربية السعودية نقطةَ الارتكاز في كل قضية من قضايا الأمة”.
وأشاد بمقاله “وثيقة مكة وتعزيز التعايش السلمي!!” بجهود رابطة العالم الإسلامي ومعالي أمينها العام الأستاذ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى والدعم اللا محدود من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين لجهودها المباركة في تفعيل القيم الإسلامية الحضارية التي تحتاجها أمتنا في هذه الأيام، فقد ساهم معاليه بالحكمة والموعظة الحسنة في تعريف الكثير من غير المسلمين بالصورة الناصعة البياض للإسلام وقيمه الوسطية. وتجسيد “دور رابطة العالم الإسلامي في 10-13 مارس 2023م، حيث نظمت مؤتمرًا دوليًا في العاصمة البريطانية لندن، جمعت فيه القيادات الإسلامية من كل دول أوروبا إلى جمع كلمة المسلمين من خلال وثيقة مكة المكرمة وتعزيز دورهم في التعايش السلمي ورفع قدراتهم؛ ليكونوا مواطنين فاعلين في مجتمعاتهم”.
وتعرض في مقاله “بلاد حباها الله آمنًا وكعبةً!!” عن حياته في مكة بمراحل عمره المختلفة والعلاقة الروحية في الحرم ووصف الوضع في تلك الأيام، والتطور الكبير الذي صار فيه مع مختلف عصور ملوك المملكة رحمهم الله وحفظ من بقي منهم. وذكر في مقاله “مقال عن الحج في صحيفة اللواء المصرية!!” وعما لفت انتباهه في زيارته الأخيرة للقاهرة لأحد مكتباتها؛ حيث لفت نظره ”مقالًا شيقًا يخصُّ الحج إلى بيت الله الحرام، نشر في صحيفة اللواء المصرية الصادرة في 18 من شعبان عام 1323هـ، الموافق 17 من أكتوبر عام 1905م، قبل أكثر من 120 عامًا من وقتنا الحاضر على لسان بعض من الحجاج الجاويين الذين قاموا بأداء فريضة الحج إلى بيت الله الحرام ونقل انطباعهم في الحج”. والحديث عن الحج قديمًا والنقلة النوعية التي حدثت فيه في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ورعاية ولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان. وهذا دليل على أن د. عساس مسكون بحب مكة، وكل ما يتعلق بها أو يذكرها.
وقد أوضح بمقاله “التطوّع في خدمة ضيوف الرحمن!!” انطلاقا من أنه “جاء هذا الدينُ العظيمُ بالحفاوةِ بهذا العملِ الإنسانيِّ التطوُّعيّ، وأعطاه بُعدًا عِباديًا حين جعله صدقةً، وقرنَهُ بالخُطى إلى الصلاةِ. ويشارك في هذا الامر الجانبين الرسمي والشعبي والخيري، هذا مع تسهيلات النقل والسفر والإقامة والخدمات التي تقدمها للحجاج حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده-حفظهما الله-. وتنسيق كل تلك الجهود المنصة الوطنية للعمل التطوعي، إذ تضمنت رؤية ولي العهد-يحفظه الله- هدف رفع عدد المتطوعين من 11 ألف في عام 2016 إلى مليون متطوع بحلول عام 2030”.
في الأخير نجد أن معالي د. بكري عساس لم ينشغل بعمله فقط كمسؤول دولة، أو بعمله كرجل أعمال، بل شارك أمته همومها، وعبر عمَّا يسكنه من مشاعر عن مكة المكرمة وبيت الله الحرام التي يتناولها بمختلف مقالاته الصحفية انطلاقا من ولائه الديني وحرصه الوطني واعتزازه الشخصي بمكة وحرصه على الكتابة عن أصالتها ومعاصرتها وما وصلت إليه من تطور في مختلف المجالات مما يسر على الحجاج كل ما يمكنهم من أداء فريضة الحج وتقديم كافة الخدمات اللازمة لهم والمقدمة من حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان، ومستقبل المملكة الواعد بالخير.
– عضو هيئة تدريس سابق بجامعة أم القرى