فرض الحج في السنة التاسعة من الهجرة، حيث جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “يا أيها الناس، قد فرض عليكم الحج فحجوا”، منذ ذلك العام وأفئدة الناس تهوي إلى هذه المدينة المقدسة مكة المكرمة.
في كل عام، يتوجه نحو مليوني حاج من جميع أنحاء العالم إلى مكة المكرمة، في المملكة العربية السعودية، لأداء مناسك الحج في رحلة تستغرق أيامًا معدودات، ويعتبر الحج من أكبر التجمعات في العالم.
في فترة الحج، كل ما في هذه المدينة المقدسة (مكة المكرمة) يلفت الأنظار، ويسلب الألباب، تُشاهد الآلاف من الناس، جاءوا من مختلف الأعراق والأجناس والأمصار، تشاهد الأسمر والأشقر والأبيض، جاءوا لأداء فريضة الحج، مصداقًا لقوله تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)(الحج: 27).
جاءوا من كل حدب وصوب ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله كثيرًا، يتحدثون جميع اللغات واللهجات، فرقتهم الجنسيات والبلدان وجمعهم الدين الإسلامي ووحدهم في الصلاة اتجاه القبلة المشرفة. الجميع سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين الغني والفقير، ولا الأبيض والأسود، ولا القوي والضعيف، ولا العربي والأعجمي، ولا المتعلم والجاهل، الجميع يؤدون الشعائر الإسلامية نفسها.
إنها مدينة مقدسة، ليست ككل المدن على البسيطة، إنها مدينة نشأت في قلب الصحراء، مناخها حار، محاطة بالجبال، في وادٍ غير ذي زرع، ليس بها أية مقومات جاذبة للعيش فيها، لا من حيث الطبيعة، ولا الطقس، ولا الخضرة، ومع كل هذا تجد الأفئدة لها تهفو، والقلوب قبل الأجساد لها تشتاق.
إنها دعوةُ أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم -عليه السلام- حين ترك زوجته هاجر وابنه إسماعيل في مكة، أستودعهم عند رب البيت المحرم، قائلًا: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غيرٍ ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون).
إنها دعوة ارتقت من أرض مكة إلى السماء، فاستجاب لها رب الأرض والسماء، منذ آلاف السنين جعلت هذه الدعوة مكة من أحب البلاد إلى العباد، إنها دعوة بقي أثرها إلى وقتنا الحاضر، وسيمتد -بإذن الله- إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
دعاني للكتابة منظر جميل انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي لأحد رجال الأمن في بلادنا الحبيبة، وهو يقوم بإرشاد أحد الحجاج الأفارقة بلغته الأم.
منذ القدم، أبناء مكة يتحدثون جميع اللغات واللهجات نتيجةً للتلاقح الثقافي بينهم وضيوف الرحمن من كل الأجناس والأقطار؛ خاصةً من شرفوا بخدمة الحجيج.
شخصيًا كنت من الذين أكرمهم الله لخدمة ضيوفه الكرام، في السكن، والنقل، والطواف والسعي وغيرها من الخدمات التي يحتاجها الحجاج، لذلك كنت أجيد التحدث بأكثر من لغة، خاصة اللغة الهوساوية، نظرًا لسكني قديمًا في منطقة المسفلة والتي كان أكثر قاطنيها في تلك الفترة الزمنية من الذين يتحدثون اللغة الهوساوية، مع بعض مفردات من اللغات الأخرى كالهندية وشيئًا من الإنجليزية والفرنسية والجاوية والبخارية.
0