المقالات

نساء مكة والحج

النساء في مكة المكرمة لديهن ثقافة فريدة تتعلق بالحج والعادات التي ترجع إلى قرون طويلة من الماضي؛ حيث توجد لديهن عادات وتقاليد تراثية تعكس حسن الضيافة لضيوف الرحمن وارتباطهن مع بعضهن، والاهتمام العميق بالحرم المكي الشريف، وهي من التراث المكي في الحج الذي ما يزال يُمارسه بعض نساء مكة حتى الآن، وتعبر تلك العادات والتقاليد عن مدى حبهن واحترامهن للزوار الذين يقومون بالحج للبيت الحرام والمشاعر المقدسة، ومن بين العادات الشائعة التي يمارسنها هي “الخُلَّيف والقيس”، وقد يشارك في تلك العادات بعض النساء من مدينتي الطائف وجدة بحكم قربهما من مكة المكرمة.
فالخليف هو اسم لليوم التاسع من ذي الحجة (يوم عرفة)، حيث يبقى النساء في مكة، بعد خروج رجالهن لأداء فريضة الحج وخدمة الحجاج في عرفات. في حين تصوم نساء مكة في هذا اليوم المبارك، ويتجمعن في المسجد الحرام للإفطار والطواف والصلاة، في مظهر فريد من نوعه عندما ينتشر النساء في قرب الكعبة، ولا تكاد تجد إلا النزر القليل من الرجال.
ومن عادات بعض النساء أن ترصد أعينهنّ المخلفين من الرجال الذين يحسن بهم لزوم البيوت في يوم عرفة؛ لأن النساء إذا رأين الرجال في شوارع مكة المكرمة قالوا أمامهم أهازيج فيها تحذير من الاهتمام بالأمور الدنيوية في هذا اليوم، فهن يطلقن لقب “القيس” على الرجل الذي لم يحج أو لم يخدم الحجاج، تردد بعض النساء بعض الأهازيج أمام الرجال الباقين في مكة للتوبيخ والتعبير عن استيائهم من عدم خروجهم مع الحجاج أو خدمتهم. إذ يرى النساء في مكة أن يوم عرفة يتضمن فرصة خروج الرجال إلى المشاعر المقدسة؛ مما يتيح لهن تقديم بعض الأعمال الخيرية والخدمات التي الرجال يقومون بها في مكة، مثل: توزيع الماء والطعام على الفقراء والمحتاجين والمتأخرين من الحجاج.
وليس هذا في يوم عرفة فحسب، بل يسبقه يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة حيث تُعرَف هذه الليلة باسم “ليلة اليتيمة”؛ إذ تصبح مكة خالية من الرجال، ويشعر نساؤها بالوحدة مما يتطلب منهن الحزم في إدارة شؤون بيوتهن وأطفالهن، وقبل العهد السعودي كان بعضهم يتنكر في زي الرجال لحراسة البيوت.
وتعكس هذه العادات أيام الحج ثقافة روح التكافل والتعاون بين النساء في مكة عندما يغيب أزواجهن وآباؤهن، وتعبر عن محبتهن لبيت الله وضيوفه، وتؤكد دورهن المهم في خدمة دينهن والحرم الشريف. على الرغم من التغييرات التي حصلت في مجتمع مكة بسبب التطورات العمرانية والاقتصادية، فإن بعض هذه العادات لا تزال حية في قلوب نساء مكة وتنقل من جيل إلى آخر
وفي الوقت الحاضر، تتبنى النساء في مكة طريقة جديدة للاحتفال بالطقوس، وخاصة في يوم عرفة، حيث تكون الأحياء في مكة خالية من الحجاج، وتتوجه النساء إلى الحرم المكي للقاءات الاجتماعية والصلاة وأداء الطواف حول الكعبة، وبعد صيام يوم عرفة، يتناولن وجبة الإفطار. لذلك، تصبح ليلة عرفة ليلة مميزة في حياة النساء في مكة كل عام، ولا يزال تقليد يوم الخليف حتى الآن مستمرًا، إذ يحرص النساء على الاحتفال به وتعليم بناتهن قيمته. ولكن إطلاق اسم القيس على المتخلفين عن الحج أو خدمة الحجاج في المشاعر المقدسة قد اندثر في الوقت الحاضر بسبب توسع مكة العمراني وزيادة عدد سكانها، فليس حال مكة الآن كحالها قبل عقود من الزمن.
ومن المهم رصد تلك العادات، والعمل على إحيائها ورعايتها؛ لأنها تُمثل تاريخًا وتراثًا يستحق الإبراز والتوثيق.

أ.د. سفران بن سفر المقاطي

باحث في الإعلام والإتصال المؤسسي والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى