المقالات

التناغم بين المجتمع والرؤية!!

بينما كنت أدرسُ في جامعة ويلز ببريطانيا في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، كان لي صديق ماليزي اسمه (سحر يحي)، وكان زميلي في الكلية والتخصص، هادئ لطيف يألف ويؤلًف، سألني ذات يومٍ عن مستقبل ابني مُشْرِف وماذا أخطط له في المستقبل؟
تعجبتُ من سؤاله لأنّ (مشرف) يومها لم يتجاوز الرابعةَ من عمره!
قلت له: بدري!
فقال لي: ابني الآن في السادسة من عمره، وقد خططتُ له ليكون مهندسًا تقنيًا؛ وبدأت أنا ووالدته في إعداده لذلك منذ الآن؛ لأنّ رؤية بلادنا ماليزيا (2020) تركّز على الجانب التقني والمعرفي.
ما لفتني في حديث الصديق الماليزي هو هذا التناغم الفعَّال بين (المجتمع الماليزي) و(الرؤية الاقتصادية) للحكومة الماليزية، تناغمٌ بلغَ حدَّ تأطير الوجهاتِ التربوية والعلمية والأكاديمية للأطفال لتدعم رؤيةَ البلادِ وتستفيد منها في الوقت نفسه.
ومن المؤكد أنه لا يمكن لرؤية ما في أي بلد أن تنجح إذا لم يتمكّن من خلق (مجتمعٍ) يؤمن بها، ويقتنع بأهميتها، ومن ثمّ يبني مشاريعه وخططه وبرامجه المستقبلية على ضوئها.
لقد دشنتْ بلادنا العزيزة رؤية ولي العهد -يحفظه الله- (2030)، وهي رؤيةٌ تقومُ في جوهرها على الانتقال من (اقتصاد النفط) إلى (اقتصاد المعرفةِ)، أو الانتقال من استثمار (كنوز الأرض) إلى استثمار (كنوز العقل)، لتحل بذلك الاختراعات والابتكارات والاكتشافات وبراءات الاختراع محل الاستخراج والتكرير، وهذه النُّقلة الهائلة تحتاج لنجاحها إلى (مجتمعٍ) يتفهّمها ويتقبلها ويكيّف توجهاتِهِ وخططه المستقبلية معها.
لا شك أن لمؤسسات التعليم العالي في المملكة العربية السعودية دورًا مهمًا عن طريق تشجيع وتوظيف نتائج البحث العلمي المنتج في تحقيق رؤية بلادنا (2030)، وهناك الكثير من الأفكارِ لو تم تطبيقها أن تحوّل مجتمعنا -بإذن الله- من (مجتمع النفط) إلى (مجتمع المعرفة).
ولعلّ مما يساعدُنا على هذا الانتقال المجتمعيّ أن نستذكر أننا أبناءُ أمةٍ علّمها دينها كيف تفكر؟ وكيف تتعلم؟ وكيف تبتكر؟ فنحو ثلث آيات القرآن الكريم التي يبلغ عددها (6236) آية – أي قرابة: (1100) آية -تحث على التفكير والتدبر والنظر.
وأحاديث نبينا المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم- مليئةٌ بالحث على العلمِ واعتبارِهِ عبادةً وقربةً، وتاريخنا الحضاريّ ملؤُهُ العلمُ والعلماءُ، وكل منصفٍ من مؤرخي العلوم يشهدُ بأنّه لولا البصمة الإسلامية في التاريخ الحضاريّ الإنسانيّ لما وصلت البشرية اليوم إلى ما هي عليه من تقدم ونمو.
وقد سجل العالم الأمريكي البلجيكي الأصل البروفيسور (جورج ستيوارت) المتخصص في تاريخ العلوم، والذي حملتْ اسمَهُ جائزة (ستيوارت لتاريخ العلوم)، سجل هذا العالمُ الكبيرُ شهادته المضيئة للحضارة الإسلاميةِ ودورها في ترسيخ المناهج التجريبية وتطوير حركة الاختراعاتِ المعرفية.
نحن إذن أبناءُ دينٍ يحثُّ على المعرفة، وأبناء حضارةٍ قامتْ على المعرفة، وأبناء لغةٍ أحاطتْ بالمعرفةِ، فكيف لا نكون مجتمعًا يتفاعل مع المعرفة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى