تؤمن المجتمعات الغربية بساستها وقادتها ومفكريها أن الحضارة الإسلامية ساهمت بشكل كبير في رفع التقدم والرقي والازدهار المرتكزة على البناء المعرفي والوعي الراقي والحرية المنضبطة كما نقلت مفاهيم الحضارة من منطقة العاطفة إلى منطقة العقل، ولكنهم يؤمنون اليوم أن حاضر العالم الإسلامي يدعو إلى الشفقة؛ لأن جسد الأمة العربية والإسلامية يحتضن فيروسات الانشقاق والصراع والتمزق ويعاني تخلفًا وضعفًا مطلقًا، وأنه تجسيد لفقدان الوعي التاريخي والكسل والتسلط والعصبية والطائفية.
نتج عن وضعنا المأزوم كثافة الحملات المعادية للإسلام والمسلمين، وللأسف الشديد هذه الحملات تتزايد وتأخذ أشكالًا عديدة، من أعداء متطرفين حاقدين على القرآن! ومن أدعياء جاهلين بالقرآن فمنذ أن ظهر هذا القرآن على وجه الأرض، وأعداؤه يتربصون به، ومعركتهم ضده دائرة في كل زمان ومكان، فمن بدء معركة التشهير، إلى التنفير، والتشويه، ومن الكيد الخفي، إلى العدوان الجلي، والآن إلى التدنيس الجائر. ففي احتفاء المسلمين بيوم العيد الأكبر بموسم الحج العظيم يضرم أحد المتظاهرين النار في نسخة من المصحف في احتجاج صغير خارج مسجد بالسويد، تزامنًا مع بدء عيد الأضحى وتجرأ في تحدٍّ سافر لارتكاب هذه الجريمة محتجًا أنها ترتكز على حرية الرأي، وأن القوانين واللوائح المحلية تحميه حتى لو تطاولت على المقدس الإسلامي، ورغم التحركات لاحتواء هذه الأزمة لإصدار اعتذار يرد الاعتبار إلا أن الرد كان استفزازيًا متعمدًا متعللين أن المسلمين يعانون من جذور عميقة من المشاكل مع مفهوم الحرية والديمقراطية؛ مما جعل الأرض تتزلزل تحت أقدام المسلمين الذين أثبتوا رغم كل الصراعات أن المساس بكتابهم المقدس يزلزل الذهنية والنظرة الأوروبية حول المسلمين، ويخاطبهم بلغة القوة الاقتصادية التي يؤمنون بها ويلتحم مليار ونصف المليار مسلم في مسيرات تُطالب بالاعتذار والمقاطعة الاقتصادية للسويد مقتنعين أن هناك من يصب النار على الزيت، ويغذي النزعة إلى حرب الحضارات خوفًا من المد الإسلامي داخل القارة الأوروبية مطالبين العالم الغربي والأمم المتحدة بإقرار من سن قانون يحظر التطاول على المقدسات الدينية أسوة على الأقل بالقوانين التي تحصر الهولوكوست بغير ما تقدمها الدوائر الصهيونية التي فرضت بقوتها وتأثيرها إجراءات صارمة لكل من يحاول أن يمس أو يتحدث عن قضية الهولوكوست وأنموذج ذلك ما فعلته بريطانيا مع المفكر الفرنسي روجيه جارودي عندما تعرض وناقش صحة ستة ملايين يهودي الذين تعرضوا للمحرقة مما جعله بعد ذلك يعيش في عُزلة عن الحياة العامة كما سجن المفكر النمساوي عندما تحدث عن المحرقة اليهودية فما آن لنا الآن أن نعي ونستفيد من هذه المؤامرة، ونفهم ما تحقق منها من تغيير في اللوحة الذهنية للمجتمع الأوروبي من فداحة المساس بالقرآن الكريم أو نشر الرسوم التي تسيء لنبينا -عليه السلام-؛ حيث أصبحت أوروبا تعي أن هذه الأمة وقت الأزمات تزداد تماسكًا، وتصبح صفًا واحدًا وصوتًا عاليًا معاديًا للسويد كدائرة صغيرة إلى أوروبا كدائرة أكبر متمثلة في المفوضية الأوروبية أن تُعلن عن اعتذارها الواهن الممسوخ الذي لا يرتقي إلى إقناع الأمة الإسلامية.
كما اقتنعت أوروبا من هذه الأزمة أن تحترم مشاعر الآخرين، ولا تستهزئ بالأديان والعقائد مؤكدين أن حرية التعبير لا تعني الإساءة والإهانة للأنبياء والأديان.
كما أننا كعرب ومسلمين صححت لنا هذه الأزمة كثير من المفاهيم والدروس والتجارب؛ فالكل متهم لأننا نعالج القضايا السطحية بعمق وبسطحية نعالج القضايا العميقة؛ فلقد أثبتت هذه الجريمة أن الحس الديني مازال مشتعلًا فلا خوف على الدين الإسلامي سواء على مستوى الشعوب أو القيادات،
وكانت المسيرات حضارية تدل على حضارة الدين الإسلامي، وأنه دين سلام ومحبة لا دين عنف وإرهاب ورسمت صورة مشرفة لدى الآخر عن حرية التعبير لدينا الذي يتسم برحابة الصدر والوعي الوافي، وإحكام العقل والحرية المعتدلة في إبداء الرأي وتقبل الرأي الآخر.
كما يجب علينا أن نجرى عملية المراجعة والتغيير في وسائلنا الإعلامية وتركيزها على إبراز الحضارة الإسلامية علمًا بأننا نمتلك ترسانة إعلامية بل تعدى الأمر إلى سيطرتنا على مساحة واسعة من الفضاء تزخر بها قنواتنا التجارية التي أغلب شعاراتها وأهدافها الترفيه والتسفيه التي نأمل أن تمارس دورها في تحمل المسؤولية وتقديم الإسلام بصورة صحيحة، ونشر الوعي والثقافة والرد على ما يُشاع عن الإسلام من اتهامات باطلة على غرار إذاعة القرآن الكريم واعتبارها ضرورة لإسلامية وطنية لمواجهة التطرف، والقضاء على الصورة والأفكار المنحرفة عن الإسلام.
كما لا بد لنا أن ننشئ شركة الإلكترونيات لعمل برامج كمبيوتر وبرامج ألعاب للأطفال تتناسب مع الروح الإسلامية بعيدًا عن العنف والجريمة وتدمير رموز المسلمين ولتغذية الإنترنت بمعلومات صحيحة عن الإسلام، والسعي الحقيقي لإنتاج أفلام وبرامج عالمية ليس بالضرورة من معارك إسلامية، ولكنها تحمل القيم والمبادئ الإسلامية التي لا تتعارض مع أي دين أو فطرة سوية بعيدة عن العنف والجريمة والفجور والسطحية والأهداف التافهة.
((المجتمعات التي لا يمكنها أن ترعب أحدًا هي الأكثر تعرضًا للإهانة والخطر))
0