تجتاح فرنسا مظاهرات منذ أيام أشعل فتيلها إطلاق أحد أفراد الشرطة النار على مراهق من أصول جزائرية أدت لمقتله بسبب مخالفة مرورية لا تستحق رفع السلاح؛ فضلًا عن استخدامه غير أن ذلك الشرطي يحمل حقدًا عنصريًا مستشرٍيًا في قلبه.
أسلاف هذا الفتى وغيره ملايين استقدمتهم فرنسا من مستعمراتها أو يسَّرت دخولهم لفرنسا لكنها لم تهتم بهؤلاء المهاجرين، ولا بأبنائهم ولم تضع مشروعًا ثقافيًا أو قانونيًا يؤهلهم؛ لينخرطوا في المجتمع ويصبحوا مواطنين صالحين بل جعلتهم يعيشون على هامش الحياة الفرنسية وعلى درجة أقل من المواطنين الأصليين، ولم تطبق بحقهم مبادئ الجمهورية الفرنسية، وشعارها الديموقراطي “الحرية والمساواة والإخاء”، وقد فتحت الأحداث المتفجرة من جديد ملف الضواحي الفرنسية، وما تُعانيه من إهمال وتهميش، على مدار سنوات، أديا إلى تفشي البطالة والفقر بين سكانها، وهم من أبناء مستعمرات فرنسا السابقة المهاجرين إليها.
لم تكن هذه المظاهرات هي الأولى، ولن تكون هي الأخيرة ففرنسا كانت وما زالت تعج بالصراع الأيديولوجي بحكم قُربها الجغرافي وتماسها التاريخي مع المشرق العربي ومع الدين الإسلامي، وسبق لفرنسا أن جيشت وقادت أكثر حملات الحروب الصليبية كما أنها عثت فسادًا إبان حقبة الاستعمار بالدول التي استعمرتها؛ فاختزنته ذاكرة شعوب تلك الدول واصطحبوه معهم لفرنسا مما ولَّد حالة من الاحتقان الاجتماعي الذي خلق بئية خصبة للانفجار بأي وقت ولأي سبب، وفي المقابل فإن كراهية الفرنسيين خاصة والأوروبيين عامة للشعوب التي استعمروها سابقًا وأفقروهم ونهبوا ثرواتهم بل ودمروهم ثم قبلوا بهم لاجئين ومواطنين؛ لغرض خدمتهم وتنظيف شوارعهم جعلهم يتعاملون معهم بدونية مما ساهم وأذكى ذلك الاحتقان.
ومن جانب آخر ليس ببعيد تعيش أوروبا القارة العجوز مرحلة الشيخوخة، وتعاني دولها من اختلال في النمو السكاني بين المواطنين الأصليين وبين المهاجرين، والذي يدين أغلبهم بالإسلام فنسبة المواليد لهؤلاء المهاجرين أضعاف نسبة مواليد الأوروبيين الأصليين، وهو ما يعني أنه بعد عقود ستصبح بعض الدول الأوروبية دولًا ذات أغلبية إسلامية الأمر الذي خلق هلعًا، دفع ببعض مفكريها لأن يتبنوا خطًا متطرفًا في الطرح استغلته الأحزاب العنصرية واليمينية المتطرفة لتُنادي بتغيير قوانين الهجرة والجنسية بل وتسعى لاستصدار قوانين تسمح بطرد المهاجرين والملونين من دولها، وقد تكون تلك الأحزاب العنصرية استطاعت تذكية المظاهرات وتأجيج الصراع لتصل لأهدافها؟
وعليه فان على الجاليات المسلمة بأوروبا أن تفطن لما يكاد لها وأن تبتعد عن مؤججات الشحن لكي تعيش بسلام في بلاد اختارتها بديلًا عن بلادها الأصلية، وأن لا يستزلهم المتطرفون ليوقعوهم في مناصبة دولهم؛ ليبرروا التأليب عليهم ومنابذتهم.
0