ما من مدينتينِ في تاريخِ البشريةِ ارتبطتا بمثلِ ما ارتبَطَتْ به مكةُ المكرمةُ (أم القرى) والمدينةُ المنوَّرةُ (طيبة الطيبة).
فالرِّباطُ الذي يربِطُ هاتينِ المدينتينِ المقدَّستَيْنِ هو رباطٌ عجيبٌ، إنَّهُ نسيجٌ من تُرابِ الأرضِ وسَحَابِ السماءِ، ومزيجٌ منْ عطاءِ الدنيا وثوابِ الآخرةِ!
نَزَلَ الوحيُ في المدينةِ المنوَّرةِ كما نزلَ في مكَّةَ المكرمةِ، وحُرِّمتْ المدينةُ المنورةُ كما حُرِّمتِ مكَّةُ المكرمةُ، وضُوعفتِ الصلاةُ في المدينةِ المنورةِ كما ضوعفَتْ في مكَّةَ المكرمةِ، وسالَ الدمُ المكيُّ على أرضِ المدينةِ المنوّرةِ دفاعًا عن شرعِ الله، وسال الدَّمُ المدنيُّ على أرضِ مكةَ المكرمةِ نُصرةً لدينِ اللهِ، وتردَّد صدى الوحي في أرجاء المدينةِ المنورةِ كما جلجلَ في جبالِ مكّةَ المكرمةِ، وتآزرتِ المدينتانِ لِتَكُونَ (لا إلهَ إلا اللهُ) شعارَ الوجودِ، وكلمةَ الدُّنيا الأولى، فكانت مكَّةُ المكرمةُ مَبدأَ الوحيِ، وكانتِ المدينةُ المنوَّرةُ مُنْطَلقَهُ إلى العالمِ.
ثمَّ إنَّك تجدُ زائرَ مكةَ المكرمةِ لا يدعُ زيارةَ المدينةِ المنورةِ، والمتشرِّفَ بالصلاةِ بجوار الكعبةِ المنيفةِ، لا تفوتُهُ الصلاةُ في الروضةِ الشريفةِ، ولا يَقِرُّ قرارُ الحاجِّ حتى يجمعَ إلى نُسُكِهِ المكيِّ مُقامًا مَدَنيًا يتشرَّفُ فيه بالسلامِ على رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-.
ومن لطائف الاجتماعِ بين المدينتين: أنَّ أولَ حديثٍ ساقه البخاريُّ في صحيحِهِ مُسَلْسُلٌ أكثرُهُ بالمكيين! وثاني حديث ساقه مُسَلْسَلٌ أكثرُهُ بالمدنيين! فالتقتِ المدينتانِ في صدرِ أصحِّ كتابٍ بعد كتاب الله -عز وجل-!
وقد أذنِ اللهُ سبحانَهُ وتعالى لهذهِ البلادِ المباركةِ: المملكةِ العربيةِ السعوديةِ أنْ تتشرفَ بخدمةِ المدينتينِ، ليكونَ هذا الجمعُ صورةً أخرى من صورِ التقائهما.
فلله هاتانِ الجوهرتانِ الثّمينتانِ.
للهِ مكةُ المكرمةُ ببيتِها وكَعْبتِها، وزمزمها وحطيمِها.
وللهِ طيبةُ بمسجدِها وروضتِها، وطيبِ أثرِ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فيها.
حَقٌّ لهاتين المدينتين المقدستَيْنِ أن تكونا محلَّ الخدمةِ والرعايةِ.
وقد أولتْهما المملكةُ العربية السعوديةُ بقيادة خَادمَ الحرمينِ الشَرِيفينِ الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- غايةَ ما يُمكنُ، وحَسْبُنا أن يَتْرُكَ مُلوكُها العُظماءُ ألقابَ الـمُلْكِ والتفخيمِ – وَهُمْ لها أهلٌ – ليتشرفوا بلقب خدمةِ هاتين المدينتين المقدستين، وحرمَيْهِما الشريفينِ.
ولأننا دولةُ عملٍ وإنجازٍ، فقد تَبِعَ هذا اللقبَ الشريفَ ما يَدُلُّ عليهِ، واتَّسَعَ الحرمانِ الشريفانِ في عهدِ ملوك هذه البلاد المباركة المملكةِ العربيةِ السعوديةِ اتساعًا لم يسبقْ له نظيرٌ في التاريخِ كلِّهِ، وبُذِلَ لهما وفيهما من الخدماتِ والإنشاءاتِ والبرامجِ والتقنياتِ والكفاءاتِ، ما كتبَهُ التاريخُ وسيظلُّ يكتبُهُ بأحرفٍ من ذهبٍ. جزى الله حكومة خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- خير الجزاء وحرسها من كل سوء ومكروه.
0