المقالات

التمريض مهنة المستقبل

بنهاية كل عام أكاديمي لا يخلو بيت في السعودية وخارجها ممن لديهم خريج من الثانوية أو بنهاية السنة التحضيرية من مناقشة التخصص الجامعي الذي يريد التقديم عليه. إنها حالة من الترقب والتفكير التي تشغل البال والحال سواء للخريج نفسه أو لوالديه ولعائلته. إن قرار اختيار التخصص ليس بسهل ويلزمه الكثير من التفكير وموازنة الاختيارات لاتخاذ القرار المناسب؛ حيث إن هذا القرار سيؤثر وبلا أدنى شك على مسار حياة الطالب المستقبلية. نتفق أن التخصص الجامعي ما هو إلا بوابة لسوق العمل وهو في ظني يعد من أهم أحد المعايير التي يجب على الخريج التفكير فيها عند اختيار التخصص؛ بالإضافة لرغبته ومدى تفوقه في المجال مستقبلًا، ومن هذا المنطلق سأسرد بعض المعطيات، والتي جعلتني أطلق على مهنة التمريض “بمهنة المستقبل”.

بناءً على تصريحات منظمة الصحة العالمية في مارس عام 2022 أن العالم سيكون في حاجة على الأقل لتسعة ملايين من العاملين في مجال التمريض بحلول عام 2030؛ وذلك لتتمكن المنظومات الصحية من تقديم الرعاية الصحية، ويعد هذا العدد ليس بسهل الوصول إليه مع تزايد العدد السكاني في العالم، وأيضًا مع النهضة الواسعة في العمران والمشاريع الصحية، والتي ترتكز بشكل كبير في تشغيلها على الكادر التمريضي. من الملاحظ حاليًا في مدن المملكة أنها في صدد افتتاح عدد من المستشفيات الكبيرة مثل: مستشفى كينجز ومستشفى الحبيب بجدة، وغيرها في مدن المملكة مما سيجعل الطلب على كوادر التمريض في السنوات القادمة في ازدياد.

يوجد العديد من المختصين بالمجال الصحي بالمملكة الذين يواصلون رصدهم لواقع الكوادر التمريضية في الوطن, فعلى سبيل المثال لا الحصر في شهر مايو 2021 أشار الدكتور مبارك آل شريدة في مقالة له بعنوان (الحاجة لمهنة التمريض في العالم والسعودية) في صحيفة الوئام الإلكترونية والمتضمنة الإشارة إلى الاحتياج الشديد للكادر التمريضي وقلة الأعداد الوطنية، وفي نفس السياق بشهر أغسطس 2022 أشار الدكتور أحمد أبو شايقة أول بروفيسور تمريض من الرجال بالمملكة في مقابلة تلفزيونية لبرنامج الراصد في قناة الإخبارية أنه لا يوجد بطالة في مهنة التمريض؛ وذلك بسبب الاحتياج الشديد للمهنة وندرة الخريجين من الكوادر التمريضية، وفي أغلب مقالاتي، والتي جلها نُشر بصحيفة “مكة” الإلكترونية، أشرت إلى الاحتياج لكوادر التمريض بتخصصاتهم المختلفة والمتعددة؛ وخاصة أنهم يُشكلون 60 % من كوادر المنظومات الصحية سواء مستشفيات أو مراكز أو مستوصفات طبية.

من فضل الله ومنته أن في المملكة العربية السعودية تتوفر العديد من الكليات التي تقدم برامج بكالوريوس التمريض سواء حكومية أو خاصة والتي تُشكل تقريبًا 39 كلية متفرقة في شتى مدن المملكة، وهذه البرامج ذات كفاءة ورصانة تعليمية وتدريبية وبعض هذه الجامعات والكليات حصلوا أو تقدموا على الاعتمادات الدولية والوطنية. مما يجعل الخريج الحاصل على شهادة بكالوريوس التمريض منافسًا في سوق العمل المحلي والعالمي، ويتيح له الفرص الوظيفية المتوفرة بعون الله تعالى ليس في المستشفيات فقط بل وأيضًا في قطاع التعليم التمريضي، والذي شهد أيضًا توسع في السنوات الحالية، ويتوقع أيضًا زيادة أعداد فتح كليات التمريض الحكومية والخاصة بالمملكة؛ لمواكبة زيادة الطلب في سوق العمل.

ومن الجدير والمهم أن نُشير أن تخصص التمريض هو التخصص الصحي الوحيد الذي له برنامج خاص بالابتعاث الخارجي لبرامج البكالوريوس والدراسات العليا. كما وأن برنامج الابتعاث للتمريض ارتبط باسم سمو ولي العهد الطموح الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- وهذا الاهتمام لم يكن وليد الصدفة بل برؤية حكيمة وثاقبة لمستقبل الوطن. كما وأن هناك تحولًا صحيًا بالمملكة بمنهجية وتطلع لزيادة الجاذبية لمهنة التمريض، ومع تطبيق التجمعات الصحية مما قد يستدعي النهوض بالمهنة من نواحٍ كثيرة مثل: الرواتب والعلاوات ومنهجية الشفتات، وغيرها من الأنظمة المتعلقة بالكوادر التمريضية، وهذا يُعد فرصة كبيرة للخريج، والتي قد لا تكون متوفرة في تخصص آخر.

حرص مجلس شؤون الجامعات على توجيه الجامعات على تحقيق رؤية المملكة 2030 في المساهمة في تقليل نسب البطالة، والتركيز على التخصصات التي عليها فرص وظيفية واحتياج في سوق العمل؛ ولذلك نجد بعض الجامعات التي أولت هذا التوجه من الاهتمام فهاهنا نجد مثلًا جامعة الملك عبد العزيز تُفتح بباب القبول للمرة الثانية على التوالي لبرنامج واعد للتمريض، والذي يستقطب الخريجين المتميزين من المرحلة الثانوية مباشرة للسنة التانية تمريض؛ وذلك بعد اجتيازهم لمتطلبات البرنامج مما يُعد فرصة لخريجي الثانوية المتميزين.

“التمريض” تخصص بمكتسبات وفرص متعددة؛ فنصيحتي ودعواتي لكل خريج ثانوي وولي أمره أن يجعل هذا التخصص نصب عينيه، ويجعله من ضمن الخيارات التخصصية في حال كانت المعايير للقبول لهذه الكلية الواعدة تنطبق عليك؛ فلا تتردد واعقلها وتوكل ولن يخيب ظنك في تخصص كله إنسانية وعطاء ومستقبل واعد بعون الله تعالى، ونُبارك لجميع الطلبة الذين تم قبولهم وسكنوا في التمريض، ونصيحتنا لكم بالتمسك بهذه الفرصة؛ حيث إن الله اختارك لهذا التخصص الإنساني، والذي فيه من عطايا الإحسان الكثيرة.. فهنيئًا لكم.

الدكتورة أحلام الزهراني
جامعة الملك عبد العزيز بجدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى