المقالات

صالوناتنا الثقافية إلى أين؟

قال صاحبي: كم عدد الصالونات الثقافية في بلادنا، وكم عدد الفاعل منها، وما تأثيرها على الثقافة السعودية، وما الذي يميزها عن غيرها، وما أبرز التحديات التي تواجهها، وهل واكبت هذه الصالونات رؤية السعودية 2030، وهل هناك صالونات ثقافية نسائية؟

كرمت قيصرية الكتاب يوم الإثنين الماضي أثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة، خلال ندوة ثقافية مشهودة في عاصمتنا، وأسندت لي مهمة إدارتها، ذلك أن علاقتي بالصالونات الأدبية قديمة نسبيًا؛ فقد كتبتُ عنها في رسالتي للدكتوراة، باعتبارها أحد وسائل الاتصال المباشر في المجتمع السعودي، إضافة لامتلاك أسرتي مجلسًا ثقافيًا مساء كل جمعة، وله جذوره التاريخية.
لكن هذه المهمة أعادتني إلى نقطة البداية من ناحية بحثية، لأسباب متعددة، منها مكان ومكانة المحتفى به والمحتفي والحضور، ولأهمية الثقافة في ترسيخ هوية الوطن التي نقدم بها أنفسنا، وهو ما عززته الرؤية.
وعندما تعمقت في القراءة عن الصالونات الثقافية في بلادنا، خرجت بعدد من الملاحظات، التي أحسب أن الأجهزة المعنية بالإعلام والتعليم والثقافة والتوجيه مختصون بها بالدرجة الأولى، فعملهم لا يقتصر على الأمور الإجرائية واليومية.
ثم أسوقها تماشيًا مع رؤيتنا السعودية التي تتطلب القيام بالعمل والتطوير، والتغلب على العقبات التي تواجه البنية الفوقية (الثقافة)؛ لأنها تشكل أحد روافد القوة الناعمة السعودية التي نحن بأمس الحاجة لها، داخليًا، وخارجيًا، وهذا الأمر بحسب ظني من الأهمية والأولوية بمكان.
ومن أبرز التحديات التي تواجه هذه الصالونات الثقافية، هو الاستمرار في عملها بعد غياب مؤسسها، وعدم التفات الآخرين لها، لانشغالهم في أمورهم الحياتية، ومن التحديات أيضًا عملية توثيق ما يتم تداوله والحديث عنه داخل هذه الصالونات، بالكلمة، والصوت والصورة، لتغدو مرجعًا للباحثين، والكتّاب، بل ولإثارة مواضيع علمية يمكن للدارسين في المراحل العُليا تبنيها والغوص في أعماقها، واستخراج كنوزها، وهذا يتطلب وجود دعم مالي سخي، من خلال مبادرات المسؤولية الاجتماعية لشركاتنا الوطنية، وهو الأمر الذي تحدثتُ عنه، مع الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض، عند استقباله المجلس الإشرافي على قيصرية الكتاب، وقد أبدى سموه الكريم تجاوبًا وتشجيعًا غير مستغرب، وتفاعل مع مرئيات المجلس.
كذلك من التحديات الأخرى، الخروج بهذه الصالونات الثقافية، من النطاق المحلي إلى النطاقين العربي والإسلامي، فهما عمقنا الحضاري والثقافي، ولم أجد بحسب اطلاعي من حقق هذه الأمر سوى اثنينية عبد المقصود خوجة، التي مدت الجسور خارج الحدود، راسمة خريطة طريق للحراك الثقافي السعودي، وأرجو أن أرى عددًا من صالوناتنا الثقافية تحلق خارج نطاق المحلية، حتى يصبح لها حضورها وتأثيرها في الميدان الثقافي العربي/ الإسلامي، وهذا بحاجة لإنتاج رؤية ثقافية سعودية، واضحة المعالم، قائمة على التخطيط، والاستمرارية، وقابلة للتنفيذ، والتقييم والمراجعة الدائمة.
أعلم يقينًا أن لدى وزارة الثقافة الآن مشروع حصر الصوالين والأمسيات الثقافية، وهذا العمل قد يبصر النور سريعًا، وآمل أن تترافق معه خطط وبرامج تتكامل مع جميع المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي كدارة الملك عبد العزيز، ومكتبة الملك عبد العزيز، ومكتبة الملك فهد الوطنية، ومجمع الملك عبدالعزيز للمكتبات الوقفية، والأندية الأدبية التي أصبح لها مقرات جميلة في جميع مناطق المملكة.
إن ما يعزز هذه الفكرة ويحفز الجهد، هو استهداف رؤية السعودية مضاعفة عدد الصالونات الثقافية السعودية بحلول 2030.
علمًا أن هذه الصالونات لم تقتصر على الرجال فقط، بل توجد صالونات نسائية في عدد من مناطق المملكة، وثقتها الأستاذة سارة بنت عبدالله الخزيم، صاحبة صالون سارة الثقافي، في كتابها الذي أهدتني نسخة منه وعنوانه: “إطلالة على بعض الصالونات الثقافية النسائية في الخليج”، وقد أرخت فيه للصالونات الثقافية النسائية، في السعودية بداية من “صالون الأربعائيات الثقافي1996” مرورًا بعدد من الصالونات الثقافية النسائية؛ ومنها، صالون سلطانة السديري في الرياض2001، وأحدية المنتدى النسائي في مكة المكرمة2002، وصالون السهام الثقافي2017، وغيرها.
قلت لصاحبي:
الثقافة ليست أمسية شعرية، أو قراءة كتاب، أو ترديد كلمات ومصطلحات، الثقافة قوة حقيقية لها أدواتها وأهدافها ومغذياتها. ووظفتها الدول المتقدمة لتحقيق مآربها؛ ونحن حتما سنفعل!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى