المقالات

إلى جنات الخلد أبا أحمد

في رحيل أشبه بالحلم البعيد، في رحيل أشبه بالخيال غير الممكن، في رحيل قد يكون نوعاً من المستحيل عند أقرب اصدقائه، وأعز المصاحبين له في لحظاته الأخيرة ولكن العنوان الأكيد هو الرحيل والرحيل فقط، نعم الرحيل الذي كُتبت كامل حروفه منذ بدء الخليقة فلم يكن حصول الحدث في مكانه وزمانه إلا مسألة انتظار الأمر المقدر (كن فيكون) من خالقه سبحانه. وسواء تحتمله أذهاننا أم لا تحتمله، أو كان صعباً على مداركنا تصديق ما كان على من أحببناه وهذا ما كنا نتمناه في أعماق دواخلنا ولو حتى مؤقتاً !! فللوهلة الأولى لم تحتمل عقولنا لحظة النبأ الفاجع، ولم تتماسك قوانا كثيراً من جراء ماحدث، وكأننا نأمل أن تكون مجرد أوهام تدفعها هواجس عابرة، وكأننا نرجو أن تكون مجرد شكوك تسبقها احتمالات واهية ولكن هو هادم اللذات..نعم هو هادم اللذات. وهذا هو حال الحياة الدنيا مابين رحيل عنها وقدوم إليها، ومابين حضور في مناحيها، أو انتقال نهائي من أرجائها.

وحقيقة الأمر المؤلم وبلا أي ريب هو انتقال الخلوق “عبدالعزيز الحازمي” إلى رحمة الله تعالى في “بياضة”مياه البحر الصافية كصفاء قلبه النقي، قلب الراحل النبيل لإنسان صفه بما تشاء وكيف ما تشاء من دماثة الخلق، وحسن الأدب، وبهاء المظهر، وجمال الروح. والأجمل من ذلك كله حبه لدينه، والبر بوالديه، وعشقه لمن حوله. لإنسان لا تغيب الابتسامة الصادقة على محيا وجهه الباهي، لإنسان لا شأن له فيما لا يعنيه من تفاصيل خاصة، ولا له أي عداوات تعرف، أو نزاعات تذكر مع الآخرين فكأنه أدرك حقيقة حقارة الدنيا فتركها لمن يرغبها. انتقل إلى رحمة الله تعالى وهو في ظنه الحسن أنه في القريب العاجل سيكون في مكان بعيد آخر من الأرض غير أرضنا الرحيبة ولكن اختار له الله أطهر ثرى في الكون ثرى “أم القرى” الطاهر.

في هذا الكون الكبير تجري المقادير بتصريف الله وحده فكل تصاريفه بقدر موزون فلا يكون شيئاً إلا بإذنه، ولا يمضى شيئاً إلا بأمره فلا مجال هنا للشك، ولا مكان هناك للعبث وعند قرب حلول ساعة الرحيل استيقنت نفسه الطيبة اقتراب صعود الروح إلى بارئها فنطقت الشفاه بيقين.. أعظم عبارة في الوجود بتوفيق الله: “شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله”.

ومحمد الصديق الشاهد حاضراً بكامل أحاسيسه أثناء الرحيل المحتم فكانت كلماته الصادقة تُبعث من صميم جوفه بحرقة: “اللهم إن عبدك عبدالعزيز سيقبل عليك يوم غدٍ غريقاً، اللهم قلت على لسان نبيك محمد صلى الله عليه وسلم أصدق الخلق أنه من كان آخر كلامه لا إله إلا الله محمد رسول الله دخل الجنة، اللهم إني أشهدك وأنت أعلم بذلك مني أنني شهدت لحظة غرقه وكان بين يدي ينادي بأعلى صوته لا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم إنك أبلغتنا على لسان نبيك محمد صلى الله عليه وسلم أصدق الخلق أنه من شهد له أهل الأرض بالصلاح وجبت له الجنة، اللهم إني أشهدك وأنا من أقرب الناس له أنه من أهل الصلاح والدين والصلاة وباراً بوالديه ولا يحمل لأحد ضغينة، اللهم ماذكرته لك أنت أعلم به مني ولكن مشاعري فاضت وقلبي يتفطر ولا أجد ملاذاً غيرك يحميه بلطفك، اللهم إنه سيكون ضيفك وأنت أكرم الأكرمين، اللهم إنا نرجوك في هذا اليوم الفضيل أن تقبله شهيداً وترفع درجته في عليين وترحمه رحمة يتعجب منها أهل السماء.”

أيها الراحل الصالح.. “عبدالعزيز ” كأن بينك وبين الله عمل صالح لا نعلمه، وخبيئة عظيمة لا نعرفها ونظنها كذلك والله أعلم فما أعظم كرمه عليك بأن جعل آخر كلامك في الدنيا الشهادة ومن حسن ظننا في الله ندعوه أن تكون هذه الخاتمة السعيدة لك. غفر الله لك أبا أحمد ورحمك وأسكنك فسيح جناته، وألهم ذويك ومحبيك الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى