في إطار حديثنا عن البصمة المائية، التي تكشف لنا عن حالة المجتمعات الحالية، وعن حقائق غاية في الأهمية، لقد ازداد مُعدل الاحتياج المائي عالميًا، وتغيَّرت العادات الاستهلاكية، مع تفاقم الفوارق الطبقية، والثقافة الاستهلاكية، فشخص ما يحتاج إلى أكثر من مائتي لترٍ من الماء لغسيل سيارته فقط، وآخر يحتاج لواحد لتر من الماء لكي يُطفئ ظمأه..!
عمومًا تُصنف السعودية عالميًا ضمن المناطق الجافة، ومن البلدان شحيحة المياه العذبة كدول الجزيرة العربية قاطبة، بالإضافة إلى فلسطين، والأردن من دول الشام، ومن دول شمال إفريقيا على التوالي: ليبيا، تونس، والجزائر، والمصنفة ضمن الدول العشر في ندرة المياه عالميًا، والدولة الثانية استنزافًا للمياهِ في الشرق الأوسط.
ستظل تلك الدول عُمومًا من البلدان الـمُهددة بالجفاف، مع زيادة عدد السكان، في ظل تباطؤ الحلول الناجعة، في تغذية المياه الجوفية، والتوسع في إنشاء السدود، والحواجز المائية والخزانات، واستمرار الطرق التقليدية في ريّ الـمَزروعات والنباتات، واستمرار مُعدل التغير المناخي، واستمرار التوسع العمراني، على حساب الرُّقعة الزراعية، ستزاد الـمُهمة سُوءًا مع مرور الوقت، إلا أن المملكة استشعرت ذلك، وقيَّدت وفرضت شروطًا عند زراعة الأعلاف والمحاصيل الـمُستنزفة للمياه، ومُستمرة في إنشاء محطات التحلية والمعالجة.
لا توجد إحصائيات دقيقة حديثة عن نصيب الفرد من المياه سنويًا في السعودية، لاختلاف المناطق ومُعدل الاستهلاك، كما أن الدراسات الأُممية تباينت، فبعضها يُقدر نصيب الفرد ما بين 600-1000 متر مكعب سنويًا، وفي دراسة محلية ذكرت أنها أقل من 500م3، وفي إحصائية أخرى ذكرت أن نصيب الفرد في المملكة من البصمة المائية السنوية في حدود 1200 إلى 1300 متر مُكعب للفرد/السنة. في حين أن المتوسط العالمي 1240 متر مكعب للفرد / السنة. وفي الاتجاه نفسه عند النظر لنصيب الفرد في الدول العظمى كأميركا مثلًا يُقدر بـ 2490 متر مكعب للفرد / السنة. وبناءً على ذلك هُناك مخاوف دولية بأن أكثر من ثلاثة مليار شخص في 48 دولة حول العالم على رأسها دول شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا، والأردن وفلسطين ستواجه شحًا مائيًا شديدًا بحلول العام 2025، والرقم مُرشح للزيادة في ظل التغييرات البيئية والمناخية والجيوسياسية.
الوضع المائي في المنطقة العربية عُمومًا، حرجٌ للغايةِ، وأغلب الدول العربية مُصنفة عالميًا ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة، لذا يجب إعطاء الأولوية للأبحاث المائية والزراعية والحيوانية، وتعزيز البرامج البحثية طويلة المدي، للتعامل بشفافية مع المشاكل المائية والزراعية والحيوانية، وسُبل خفض البصمة المائية والكربونية والأرضية، مع ضرورة استمرار التقييم الدوري للموارد المائية المختلفة، ونقل ذلك بصورة مُستعجلة لصُناع القرار، في اتخاذ الإجراءات المقترحة العاجلة.
وختامًا ولتوريث حياة سعيدة يملؤها الماء أساس كل حياة، يجب علينا البحث عن أفضل طرق الريّ الحديثة، والتوسع في إنشاء الزراعات الحديثة العمودية وفي البيوت المحمية، وزيادة مُعدل الاستفادة من مياه الأمطار الساقطة وتخزينها، لتغذية المياه الجوفية، وبناء وصيانة المدرجات، والتوسع في إنشاء السدود والحواجز المائية، وكذلك عمل المزيد من البرك والخزانات الأرضية الفردية والمجتمعية في كل بيت، أكان في المدينة أو في الريف (خزان أرضي يتناسب مع حجم الاستخدام) للاستفادة من المياه عند مواسم الأمطار، ويسهل مُعالجتها واستخدامها كمياه للشرب وللزراعة والنظافة، كما يُستحب دعم التقنيات الحديثة في الريّ ومعالجة المياه العادمة، والتوسع في إنشاء محطات تحلية مياه البحار، باستخدام الطاقة النظيفة الخضراء (الهيدروجينية)، ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى كأشعة الشمس وحركة البحار والرياح وغيرها، وفي الإطار نفسه مع الثروة الحيوانية يجب استخدام الأعلاف غير التقليدية، وغير المُستغلة، من البيئة المحيطة، في تغذية الحيوانات، ونَشر الوعي المجتمعي حول ترشيد استهلاك المياه، ومزيدًا من سنّ القَوانين الـمُنظمة لحماية الموارد المائية والحياة الفطرية، وتنفيذ الإدارة المتكاملة للموارد المائية على جميع المستويات، والاستفادة من الخبرات بهذا المجال، من الدول التي سبقتنا، في معالجة وتلافي الشح المائي.
*طالب دكتوراة – كلية علوم الأغذية والزراعة – جامعة الملك سعود