أبرز الأخبارالثقافيةركن الأطفالصالون مكة الأدبيمنتدى القصة

إطارُ صورة.. قصةٌ خياليةٌ (لليافعين)

تأليف: د.روزيت كرم مسعودي

في بلدةٍ ريفيةٍ جميلةٍ تعيشُ سمر ووالدتِها بمفردهما وذلك بعد وفاةِ والدِها، وبالرغم من كونها وجدَتْ فرصَ عملٍ ممتازةً في العاصمةِ عندما أنهتْ دراستها هناك إلّا أنّها أبَتْ أن تتركَ والدتَها وقررتْ العودة والاستقرار في مسقطِ رأسِها وأسسَتْ لعملِها الخاص في تصنيع الإكسسوار اليدوي. 

 في عيدِ ميلادها الثلاثين لم تتوقع أنّها على مقربةٍ من حدثٍ هام سيغيّر روتين حياتها، فأثناء اجتماع عائلتها للاحتفال بها أخبرتْها زوجةُ عمّها أنّه قد وقعَ الاختيارُ عليها للقيام بمهمة افتتاح متجر الربيع، وهو متجرٌ لبيع الأثريات القديمة، وكان المتجر ورثاً عن جدّها الذي ورثَه عن جدهِ أيضاً ،لم تُدرك سمر لماذا لم يفلح ابنا عمها في إدارته، كل ما كانت تعرفه عن الأمر أنّ كلّاً منهما استلم إدارة المتجر لمدةٍ قصيرةٍ ثم أُغلقَ، وعندما تواصلت مع ابن عمها الأكبر أخبرها أنّه متجرٌ ملعونٌ لا رزق فيه ولم ينصحها باستلام هذه المهمّة، لكنها قررت أن تجربَ حظّها هي الأخرى، ووضعت خطةً لإعادة فتح المتجر و بمساعدة من والدتها وبعض الأصدقاء استطاعت سمر أن تُجهّزَ المتجر خلال أسبوعين.

قبل الافتتاح بساعاتٍ عثرت سمر على صندوقٍ قديمٍ خلف درج القبو يكسوه الغبار، وبحركةٍ سريعةٍ حاولت أن تحملَ ذلك الصندوق لتفسحَ مجالاً للحركة، لكنّها اكتشفت أنّه ثقيلٌ للغاية، وبينما هي تنقّب في محتواه وجدت إطاراً للصور مصنوعاً من نوعٍ من المعادن الثقيلةِ جداً، فقررتْ أن تنظفَهُ وتعرضهُ في متجرها، في اليوم التالي استيقظت مبكراً واستعدَتْ لأول يوم عمل، وعندما وصلت للمتجر شغلّت الراديو ،واستخدمت معطراً للجو برائحة الياسمين التي تعشقها، وجلست خلف مكتب البيع، وفيما هي تقرأ بعض الصحف ،سمعت صوتاً غريباً يصدر من جهة إحدى رفوف العرض، وعندما اقتربت من الرفّ، وجدت إطار الصورة الذي عثرت عليه سابقاً يتحرك، كأنَّ أحداً لمسهُ، أخرجتِ الإطار ووضعته على المكتب بقربها وأضحت تفكّر بصوتٍ عالٍ، يا تُرى ما قصتك أيُّها الإطار، رددت السؤال أكثر من مرة حتى خُلقت صورةً في الإطار من العدم !!

كان في الصورةِ رسالةٌ، فهمَّت تجلب المكبّرة التي تستخدمها والدتها في بعض الأحيان من أجل رؤية أوضح، عندما قرّبت المكبّرة من الخطوط، قرأتْ((إنّ من يشتري هذا الإطار سيتعرض للعنتهِ))

ارتعبتْ من الرسالة، وقررتْ ألّا تبيع الإطار كي لا تؤذي أحداً، فذهبت للقبو وأعادتهُ للصندوق، وعندها اختفت الصورة منه بلمح البصر مما جعلها تطمئن، إلّا أنه عند خروجها من القبو نظرت للرفّ لتجد الإطار قد عاد ثانيةً إلى مكان عرضهِ مثلَ السّحر، ففهمت عندها أنّ الإطار يتحداها وعليها أن تمنع الزبائن من شرائهِ فوضعتْ على الإطار قطعةً من القماش لتغطيه، لكن القماش لم يثبت واستمر في السقوط كلّما حاولت إرجاعه، في هذه الأثناء دخلت امرأة عجوز إلى المتجر تجر قدميها جرّاً مع عكازة.

سألت سمر: كيف لي أن أساعدك يا جدة 

نظرت العجوز إلى الرفوف وما هو موجودٌ عليها بعناية ثم قالت: إنّي أبحث عن شيء من القطع الأثريةِ القديمةِ وأذكرُّ أن جدّك كان يمتلك الكثير من القطع المميزة 

أجابت سمر: بالطبع لقد وصلتِ، هنا يوجد الكثير مما تطلبينه، يوجد لدي ساعاتُ حائط قد تعجبك 

العجوز: لا، لدي منها، حقيقةً أعجبني هذا الإطار الذي تقفين بقربه إنّه يذكرني بإطار أهداني إيّاه زوجي رحمه الله، لقد كانت هذه النوعية من الإطارات المصنوعة من المعدن شائعة جداً على زماننا 

سمر: أعتذر منك كثيراً إنّ هذا الإطار ليس معروضاً للبيع 

العجوز مصرّةً: ما رأيكُ أن أدفع فيه نصف ليرة ذهبيّة؟ 

صرخت سمر مندهشة: ماذا؟ نصف ليرة ذهبيّة!! أحقّاً؟ 

العجوز مبتسمة: نعم، وأخرجت المرأة من جوف جيبها نصف الليرة

سمر: لكنَّ.. 

العجوز: لكنَّ ماذا، حسناً سأدفعُ لكِ ليرةً كاملةً ما رأيك؟ 

لم تكن سمر تصدّق ما يجري، وكانت بحاجة ماسة لهذا المبلغ، ليرة من الذهب ستمكنُّها من سدادِ دينها الذي تورطتْ فيه بسبب افتتاح المتجر خلال مدة وجيزة، فلماذا لا تستفيد من هذه الصفقة، وهذه العجوز على حافة العمر لن يؤثر عليها حدوث اللعنة التي قرأتْ عنها، إنَّ كميةَ الندم التي ستعيش به إثرَ بيعِ الإطار لعجوز مسنّةٍ أقلُ بكثيرٍ من الندمِ تجاه بيعهِ لزبونٍ شاب 

لكنّ اللعنة ما هي اللعنة يا ترى..قَطعتْ سلسلةَ أفكارِها يدُ العجوز وهي تلوّح: ها، ماذا قلتِ يا بنيتي ستبيعين الإطار؟ 

أجابت سمر بكل ثقة: سيدتي إنَّ هذا الإطارَ ملعونٌ وهذه هي الحقيقة، لا يمكنني بيعهُ لأيّ أحدٍ، إنَّ عرضَك هذا مغرٍ للغاية وأنا بحاجةٍ للنقود، لكن لا يمكنني أن أكون إلاّ صادقةً معكِ

ما إنْ أنهت سمر نُطق هذه الكلمات حتى رمت العجوز العكّازة، وتحوّلت لشابة ممشوقة القوام 

صُدمت سمر وارتعد جسدها من هول المشهد 

قالت الشابّة: لا تخافي فأنا من الساحراتِ الطيباتِ، أهنئكِ على صدقِك، لقد تحرر متجركم الآن وسينطلق عمل المتجر بإذن الله، وسيصبح أحد أهم المتاجر وستعوّضين ما أنفقته، لقد كان هذا السحرُ المرهونُ في الإطار تجربةً وضعَها جدُّك، لكي يضمن أن يتسلّمَ المتجر من يستحقهُ، فالتاجر الناجح هو التاجر الصادق والأمين. 

هامش:

المؤلفة: دكتورة روزيت كرم مسعودي.. صيدلانية متخصصة في علم الأدوية والسموم بجامعة تشرين.. سورية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى