أثار المربي والصحفي المخضرم الأستاذ/ خالد الحسيني الذكريات حين نشر مؤخرًا في مواقع التواصل قوائم بأسماء المشاهير من الوزراء والسفراء والأدباء والإعلاميين الذين درسوا فيها، وتخرجوا منها؛ حيث يمر على تأسيس المدرسة في مكة المكرمة ما يزيد على قرن من الزمان، إذ تعد أول مدرسة أُسست عام ١٣٣٠هـ بجوار المسجد الحرام بالمسعى قبل انتقالها لمحلة القرارة وعدة أماكن، وكما ذكر الأستاذ/ الحسيني الذي أسندت إليه مهمة كتابة تاريخ المدرسة الرحمانية أن ممن تلقى تعليمه ودرس فيها خلال سنواتها الأولى الملك فيصل ملك العراق والملك حسين ملك الأردن، وكان قد أسسها الشيخ محمد حسين خياط، وسُماها “الصفا” ثم “مدرسة المسعى”، وأما من أطلق عليها اسم الرحمانية فهو الملك عبد العزيز -رحمه الله- حين زار المدرسة عام ١٣٥٤هـ وسماها باسم والده الإمام عبد الرحمن -رحمه الله- وظلت المدرسة في مكانها بالمسعى حتى انتقالها ضمن أعمال توسعة الحرم المكي عام ١٣٧٥هـ.
درست في الرحمانية السنة الأولى والثانية في مقرها الذي انتقلت إليه في محلة القرارة.
كانت الدراسة في الفصول على الحنابل الهندية يدور علينا المعلم بعصاه ولا ندري أين تصيب ومن صاحب لسعتها. لا أتذكر أسماء المعلمين إلا بألقابهم: عبد رب الرسول، لحظه والمالكي، كانوا يتحلون بالسماحة والبساطة والوقار وإن كان في عقابهم غلظة وعذاب، كنا صغارًا نتهيّب منظر “الفلَكة” التي يعاقب فيها الطلاب على رجولهم، كما كان يُفزعنا ذكر غرفة الفئران التي يعاقب فيها المشاغبون، ومن يقع عليهم عقاب التقصير آو التأخير.
لم أستمر طويلًا في الرحمانية التي أذكر ممن كانوا لي فيها زملاء: محمد أمين ولي وعبد الله رجب وطلعت موصلي وإسماعيل تجار الشاهي وأحمد حريري.
انتقل عمل والدي إلى جدة والتحقت بالمدرسة النموذجية الابتدائية وكانت تسمى: (مدارس السبعة قصور) القصور التي أهداها الملك سعود لوزارة المعارف، نقلة فارهة وفارقة ونقطة تحول من حيث رفاهية الفصول ووسائل التعليم، إضافة للنشاطات الرياضية المتعددة ومقصف المدرسة الراقي عرفنا فيه نوع السندوتشات، في الوقت الذي كان فيه مقصف الرحمانية لا يقدم لنا فيه إلا ربع تميس وقطعة (جبن كشكبان) وفنجان شاي.
ما بقي من ذكريات الرحمانية أن دوام المدرسة كان ينتهي قبل الظهر نعود فيه للبيت، لمن هناك (رجعة) أو عودة للمدرسة قبل العصر والمسافة التي كنت أقطعها بين الشامية حيث بيتنا والمدرسة في القرارة مليئة بالوجوه والحكايات المكية.
أشرف الأستاذ خالد الحسيني على إصدار كتاب الرحمانية الأول عام ١٤٢٠هـ باعتبارها أول مدرسة نظامية في المملكة تضمن تاريخَها وأسماء الطلاب الذين تخرجوا منها، وأصبحوا من أبرز رجال الوطن والمسؤولين فيه في مختلف المجالات والتخصصات، ليوثق لتاريخ جزء مهم في التعليم.
0