المقالات

علوم المرجلة

منذ طفولته وهو محاط بتلك الكلمات يرددها الجميع على مسامعه: “خليك رجال! لا تبكي زي البنات! الدلع للبنات! الزينة للبنات! الورود للبنات! و إنت خليك رجال!”
‏نشأ محملًا بأثقال الرجولة كما لقنوه إياها…نشأ مثقلًا بهَاجس أن يكون رجلًا هو ليس من حقه حمل وردة حتى لا يُقال عنه (مدلع أو ما شابه من الصفات التي تتعارض مع جنسه الذي خلقه الله عليه!)

‏الطفل (الرِجال) بلغ العشرين سنة ووالدته التى قضى معها العشرين سنة ما بين التربية والرعاية أصبحت تتحرج من تقبيله واحتضانه عندما أصبح شابًا…لأن الفكر الجمعي لِمن حولها يؤنبها ليلًا نهارًا، ويذكرها بأنه لا يجوز لها احتضانه فقد أصبح ولدها رَجلًا، واختصر المجتمع سنين مشاعر الأمومة وليالي الرعاية في حوار هو: (الله يرزقك ببنت الحلال إللي تشيل همك وتفكني) وأحيانًا كانت تتغير نبرة الصوت فتقول له:
‏أنا ما تعبت في حملك وولادتك وأكلك وشربك وتربيتك عشان تسيبني وتسير خدام المرة!”
‏مسكين هذا الرجل ما بين الطفولة إلى سن العشرين والمجتمع يُحرم عليه حتى التلطف مع أمه والحنان لزوجته عشان (لا تركب راسه) والناس يضحكون عليه، وبطبيعة الحال، بعدما تخرج ووجد وظيفة محترمة، بدأت رحلة البحث عن عروس وأول الشروط قاعة الأفراح تناسب المدعويين والأهل يخطبون، ويقررون عنه ويأتى دور الأقارب والجماعة، وربما الجيران أيضًا مشاركين في رحلة البحث ويبدون آراءهم في هذه وتلك ويقتصر دور الشاب ذي العشرين ربيعًا بأن يلبس البشت ويظهر كولد ناس أمام المعازيم ظهور يُسعد أسرته وحقيقة الأمر هو بنفسه لا يعرف أين سعادته !

‏إن الحديث عن ظروف الرجل السعودي التى عاشها وهو تحت وطأة العيب والجيران وش يقولون تُدار في الفضاء الاجتماعي وللأسف يرافقها الكثير من التندر والقليل من التبصر، ناهيك عن المعارك الوهمية والمفتعلة بين الجنسين وكأنهم في حرب حيث تُطل علينا بعض من النساء مُدعيات المساواة والإنسانية تارة تقول: (أبو سروال و فانيله) وتارة تقول: (المُصاب بالجفاف العاطفي).

‏عفوًا أيتها المرأة لا تأخذي الرجل السعودي الذي يمثل نصف مجتمعنا (أب وأخ وابن) مادة لِقلمك فقد مَرّ الرجل السعودي بِمثل ما مررت به لفترة من الزمن الإقصاء وخلط المفاهيم حيث عبث المجتمع بأحاسيسه منذ كان طفلاً.

‏فصحته النفسية (وهو رب الأسرة مستقبلًا) مازالت مُهددة بين ما يتعرض له من تنميط ومعاناة إنسانية بتكليفه أكثر مما يجب وتحميله فوق طاقته واختزاله في قسوة وخشونة بعيدة كل البعد عن ماهية جنس (رجل)، ورغم تلك المعاناة يظل الرجل السعودي مُلتزم بالسلوم والعلوم الغانمة، ويُعاني بصمت (ولا يبكي كنه مره) فهو محاصر بين هموم يومه وبين ماضيه المليء بالمتطلبات والمتناقضات ومستقبله المرهون برصيده البنكي.

‏-ماجستير علم نفس إرشادي

مريم إبراهيم الحربي

ماجستير علم نفس إرشادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى