المقالات

الرجل الذي وُلد قائدًا

تشهد المملكة تحولات كبيرة منذ صدور رؤية ٢٠٣٠ على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى الاجتماعية أيضًا، هذه الرؤية الطموحة قدمها لنا سمو ولي العهد الآمين رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز بقوله: “أقدم لكم رؤية الحاضر للمستقبل التي نريد أن نبدأ العمل بها اليوم للغد بحيث تُعبّر عن طموحاتنا جميعًا وتعكس قدرات بلادنا“.

واليوم وبعد (٣) سنوات من التطبيق لهذه الرؤية بمتابعة دقيقة وفعالة من سموه، فإن المملكة -وبكل المقاييس- استطاعت أن تحتل مكانًا مرموقًا ليس فقط على مستوى الإقليم، وإنما -كذلك- على مستوى الدول العشرين بما حققته من قفزات كبيرة ومؤثرة وذات سمة قيادية وأصبحت لها كلمتها ..ويدها الطولى.. سواء في تحقيق الاستقرار والتوازن الاقتصادي في العالم رغم تعرض دوله وشعوبه لضربة قوية بفعل استشراء مرض كورونا (أولًا) ثم نشوب الحرب في أوكرانيا (ثانيًا) بكل ما خلفاه من تأثيرات تضخمية سلبية على الجميع، لكننا وبالرغم من هاتين المصيبتين اللتين ألمتا بالعالم، إلا أن المملكة استطاعت الاستمرار بقوة في تنفيذ رؤيتها محققة بذلك نموًا متزايدًا في الداخل وتأثيرًا قويًا في قرارات الهيئات والمنظمات الدولية بحكم المكانة المرموقة التي تحتلها سواء بقيادتها لمنظمة أوبك، أو أوبك بلس.. أو بدورها البناء في التعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية أو في منع الضغوط الخارجية المؤثرة في قرارات دول المنطقة والعالم بفعل سياساتها (المستقلة) ورفضها لأي شكل من أشكال التدخل الأجنبي في شؤون دولنا وشعوبنا.. وكذلك في إقامة علاقات متوازنة مع كافة القوى المؤثرة في هذا العالم.

حدث كل هذا لأن (الأمير الشاب) استطاع -بتوفيق الله- ثم بقوة عزيمته.. وسعة أفقه -وقراءته الصحيحة للمشهد العالمي، ومعرفته بقدرات شعب المملكة وطاقات بلاده وإمكاناتها، وقبل هذا وذاك بإيمان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بقدراته ونفاذ بصيرته، استطاع أن يضع بلادنا في المكان الصحيح، وصارت لها بصمة قوية في القرار الدولي..

ولست هنا بصد تعداد أو ذكر مختلف جوانب التأثير في مسيرة هذا العالم، إن على المستوى البترولي أو الأمني أو السياسي أو الاقتصادي، لأن ذلك معروف وملموس للجميع، ونحن هنا في المملكة نُدركه ونُحس به أكثر من غيرنا -سواء على مستوى النمو الشامل في الداخل أو الحراك الواسع على كافة الأصعدة أو على مستوى التحولات الثقافية والمجتمعية الكبيرة التي تشهدها بلادنا.
وباختصار شديد ومركز أستطيع حصر أهم تلك التحولات:

أولًا على مستوى الداخل:
١- التغيير لنظام الدولة من (رعائي) إلى (إنتاجي)؛ وبذلك أصبح الدور الأساسي للدولة هو (التخطيط) واستثمار مدخرات البلاد وإمكاناتها وطاقاتها المختلفة وتوظيفها التوظيف الأمثل لما فيه خير البلاد والإنسان، وتوسيع دوائر الاتصال والاستثمار مع كافة دول العالم ومؤسساته بالتفاعل الأوسع مع هيئاته ومنظماته والتأثير في القرارات والمواقف الدولية تأثيرًا بناءً وإيجابيًا، والحد من انعكاسات التضخم الاقتصادي على بلادنا، والانفتاح على الجميع وتصحيح الصورة الذهنية المغلوطة عن بلادنا.
2- تحويل القطاع الخاص من قطاع متلقٍ للدعم إلى قطاع منتج ومبادر ومتحرك، بل ومساهم فعّال في تنمية الدخل الوطني، وهي ولا شك نقلة كبيرة تتطلب المزيد من العمل والحركة والمبادرة والتفاعل وحُسن التخطيط، وسوف تثمر في النهاية عن تحول كبير وإسهام مباشر وكبير في إيرادات الدولة ومقدرة البلاد على تحقيق المزيد من النماء والانتعاش.
3- اضطلاع كافة وزارات الدولة وأجهزتها ومؤسساتها بمسؤولياتها على أعلى المستويات وتجويد مستويات أداء العاملين فيها تخطيطًا، ومتابعة، وتنفيذًا، وبما رفع مستوى الجودة لمخرجاتها بدرجة متصاعدة بفعل المتابعة والمحاسبة والرقابة والتوجيه الدائم، المباشر وغير المباشر، وتحمل المسؤولية بالكفاءة المطلوبة. وتحت المجهر اللصيق.
4- تعدد وتنوع الهيئات والمؤسسات الرقابية ومحاسبة الفاسدين والمقصرين والعمل المستمر على تطهير الأجهزة والمصالح والهيئات والمؤسسات بصورة مستمرة، وذلك بتفعيل أدائها، ومراقبة ومحاسبة العاملين بها قبل محاسبتهم للآخرين.. وكذلك بمنحها الصلاحيات الكافية لأداء مسؤولياتها على أكمل وجه، وهو ما ظهرت آثاره على المجتمع بأسره، وآذن بالقضاء على الكثير من مظاهر الاختلال في الإدارة وسرّع من معدلات الإنجاز، وقلّل كثيرًا من فرص الاستغلال للوظيفة العامة لما فيه خير الوطن وأهله.
5- ارتفاع درجة الإحساس لدى الفرد بقيمة الريال ومراجعته لحساباته وأولوياته، وتجنب الإهدار وعدم المبالغة في الإنفاق، وزيادة معدل تنمية المدخرات.

ثانيًا:على مستوى الخارج

1- مراجعة السياسة الخارجية بما يحقق للمملكة مكانتها المستحقة، ويحافظ على استقلال قرارها، ورفض أي شكل من أشكال التدخل في سياساتها، وإقامة علاقاتها بالدول الأخرى كافة وفقًا لما يحقق مصالحها، ويحافظ على أمنها وسلامتها واستقرار قرارها.
2- توسيع دوائر التعاون وتبادل المصالح مع كافة دول العالم وقواه بدرجة متكافئة.. ومد اليد للجميع سواءً في الشرق أو الغرب، وبما يخدم المصالح المتبادلة ويوسع قنوات الشراكة بيننا وبينهم بصرف النظر عن مواقف الدول تجاه بعضها البعض، وإدارة تلك العلاقات بحسابات دقيقة ووفق توازنات محسوبة، وبما يحقق الأمن والسلام والاستقرار في العالم ومثال ذلك تعاملنا المسؤول مع كل من روسيا وأوكرانيا، وقيامنا بأدوار بناءة في التهدئة وإطلاق سراح المعتقلين من الجانبين وكذلك من دول أخرى..وتقديم المساعدات الإنسانية للأوكران وسط تفهم الدولتين ورضائهما.. وبما أدى إلى حضور الرئيس الأوكراني (زيلنسكي) للقمة العربية في الرياض في السابع عشر من مايو ٢٠٢٣ وإلقائه خطابًا فيها، وكذلك دور المملكة الملموس في الاتفاق مع الطرفين المتصارعين على تصدير الحبوب والمنتجات الزراعية للخارج بالتعاون مع الطرف التركي.
٣- قيادة دول مجموعة منظمة أوبك وأوبك بلس إلى اتخاذ قرارات بناءة هدفها تجنيب الاقتصاد العالمي مغبة الانهيار، والحفاظ على الحد المناسب من توازن سوق السلعة، وضمان عدم هبوط الأسعار بشكل حاد والتقليل من حدة التضخم، سواء بقرارات الزيادة في الإنتاج أو الحد منه باعتماد تخفيضات طوعية متدرجة ومحسوبة بعناية تامة.
٤ – اعتماد سياسة تصفير المشكلات مع كافة الدول، بدءًا بدول الإقليم.. كما حدث في الاتفاق السعودي الإيراني الذي تم في بكين في العاشر من مارس (٢٠٢٣) على استئناف العلاقات بين البلدين وتبادل السفراء وإزالة كافة اسباب الاختلاف فيما بيننا، وبما انعكس إيجابًا حتى الآن على الوضع في اليمن ولبنان وبما سيؤدي إليه من تفاهمات أخرى هدفها الأول والأخير هو تحقيق المزيد من التعاون والتفاهم والتنسيق بين البلدين لدفع المنطقة إلى المزيد من الاستقرار.
٥- استرداد العلاقات السعودية التركية لعافيتها، وفتح مختلف قنوات الاتصال والتعاون بين البلدين، وتقديم المملكة مساعدات مادية وعينية كبيرة لتركيا.. بما في ذلك الوديعة المالية، وأخيرًا قيام فخامة الرئيس أردوغان بزيارته الأخيرة لجدة بتاريخ ١٧ يوليو ٢٠٢٣ ولقائه الهام بسمو ولي العهد، وتوسيع دوائر التعاون والاستثمار بين البلدين الكبيرين.

٦- دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور القمة العربية الأخيرة في الرياض ولقائه سمو ولي العهد بتاريخ ١٨ مايو ٢٠٢٣ إيذانًا باسترداد سوريا لمقعدها في الجامعة العربية؛ وذلك في إطار إعادة بناء البيت العربي من الداخل على أسس قوية ومتينة، وبما يحقق الاستقرار المنشود ويؤلف بين القلوب ويفتح صفحة جديدة نحو شرق أوسط جديد وأكثر هدوءًا واستقرارًا، وإغلاق ملفات الدمار والتخريب، والعبث بمقدرات الشعوب والأوطان العربية التي شهدتها المنطقة في الفترة الماضية.

هذه التحولات وغيرها كانت نتاج عقلية جديدة ومنفتحة وطموحة وذات إرادة حديدية وبصيرة نافذة.. عرفت كيف تصنع الكثير ليس لبلادنا فحسب، وإنما لمنطقتنا ولا نُبالغ اذا نحن قلنا ولدول العالم الأخرى وبما ستظهر آثاره مع مرور الأيام بصورة أوضح وأكبر.. بعد أن لمسنا حتى الآن الكثير من معطياته وإيجابياته الواضحة للعيان.

إن المملكة العربية السعودية التي شهدت كل هذا خلال سنوات الرؤية الماضية، وما سوف تشهده في السنوات القادمة وما بعدها.. إنما يؤشر إلى أن الغد يحمل الكثير من التحولات الجوهرية الكبيرة لتطوير أوجه الحياة في هذه البلاد بما يتناسب مع طبيعة المرحلة القادمة وهي طبيعة مختلفة في جميع خصائصها ومواصفاتها وفقًا لما يشهده العالم من تطورات تقنية ومعالجات مناخية واكتشافات مهولة لما وراء الفضاء.. وكذلك لما تخطط له الدولة وبما تصنعه رؤى سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان وطموحاته اللامحدودة.. وليس هذا بغريب على شاب في مثل عمر سموه وهبه الله الكثير من القدرات والمواهب والطاقات؛ فهو كما قال في إحدى مقابلاته التلفزيونية – سليل نظام تأسس على يد الملك عبد العزيز -يرحمه الله- .. على الأمن والأمان والصلاح وتعاقبت مراحل نموه وترسخت قواعد استمراره في عهود من جاء بعده من الملوك -يرحمهم الله جميعًا- .. وجاء الوقت الذي تصل فيه بلادنا إلى ما وصلت إليه اليوم وأكثر.

وليس سرًا أن أقول: إن المملكة موعودة بعد العام (٢٠٣٠م) – بإذنه تعالى- بنقلة عظيمة ستدخلها عصرًا جديدًا، وستكون لها آثار بعيدة المدى ليس فقط على مستوى الوطن فحسب، وإنما على مستوى المنطقة والعالم بإذنه تعالى (متعه الله بالصحة والعافية وطول العمر).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى